مقالات

أحمد خضر يكتب: شعب تاجر بطبعه

هنالك جملة نسمعها دائمًا منذ الصغر ألا وهي “احنا شعب متدين بطبعه”، تلك الجملة تتردد كثيرًا، لكننا لا نراها على أرض الواقع.

لكن مانراه فعليًا ونعيشه في معظم الأوقات، هو أننا لسنا شعب متدين بل نجيد التجارة بالدين، فأغلب عمليات النصب و الاحتيال، يجيد مرتكبوها تقمص شخصية الإنسان المتدين الملتزم الذي يخشى الله في أفعاله وأقواله.

يوجد بالفعل أشخاص متدينين وملتزمين بحق لا أنكر ذلك، لكنهم مهددون بخطر الانقراض من الندرة.

في وقائع لاتعد و لا تحصى حدثت معنا جميعًا، أن نتقابل مع أشخاص يجيدون هذه التجارة إلى حد الاحتراف.

في إحدى الوقائع والتي التصقت بذاكرتي كان هناك رجل أعمال استطاع أن يدخل قلوب الناس و جيوبهم أيضًا، لإيمانهم بزهده و ورعه وأمانته، و في حضور عدد كبير من الناس جمعتني به جلسة في وقت ما، كان حينها يتحدث في الهاتف و يبدو أن المكالمة لم تكن تحمل أخبارًا جيدة، إذ بدا على وجهه الغضب.

هرع الرجل من أمامنا فور انتهاء المكالمة إلى الحمام ليتوضأ ثم أتى وصلى ركعتين و بكى في صلاته بكاءًا مريرًا.

اقشعرت أبداننا من المشهد و تهامسنا جميعا( شوف يا اخي تدين و التزام الراجل)، وفي النهايه سرق الرجل أموال الناس وكان مستريح من ضمن مستريحين شعبنا المتدين بطبعه.

و في جانب آخر، عهدت إلى أحد المتخصصين للقيام ببعض الأعمال، فيبدأ هذا الشخص حديثه معك في التليفون ” السلام عليكم و رحمة الله و بركاته” ، باللغة العربية الفصحى، ثم يباغتك ببعض الكلمات و الجمل على شاكلة (جزاكم الله خيرا، وفقكم الله وسدد خطاكم) و التي تعطيك إيحاء بمدى التدين والالتزام.

وخلال إحدى النقاشات سألته عن رأيه في بعض الأعمال و طريقة بعض الشركات في نفس مجاله في تنفيذ هذه الأعمال، فيخبرني أنها لا تجوز، و أنه قد استشار الازهر في هذه الطريقة، وأنه دائمًا يفعل ذلك في كل الأمور، لاسيما تلك التي تحمل في طياتها شبهة الحرمانية.

لا أخفيك سرًا أني سلمت له بعد ما رأيت و سمعت من هذا الرجل التقي النقي و قام بتنفيذ المطلوب، لاكتشف بعد انتهائه من تلك الأعمال أنه سرقني حرفيًا في كل ما قام به، بل و نسب لنفسه بعض الأعمال التي لم يقم بتنفيذها و لا يعلم عنها شيئًا.

ووقائع تلك التجارة كثيرة نشاهدها في اليوم الواحد عشرات المرات في البيع و الشراء وفي المصاهرة حتى و في كل معاملتنا اليومية.

علينا ان نراجع جملة “احنا شعب متدين بطبعه “، بل و معرفة من أشاعها بغير حق، قد تكون هذه الجملة لـ أناس عاشوا قبلنا وكانوا يستحقونها بالفعل لكنها ماتت معهم وليست من الميراث، ونرددها الآن لنخفي عيوبنا بدلا من البحث عن حلول لأزمتنا الأخلاقية و الدينية.

لابد من الاعتراف بالحقيقة، لنضع أيدينا على أساس الأزمة و كيف و متى أصبحنا بهذه البشاعة؟ لكي نستطيع أن نصلح من أنفسنا.

لسنا مثاليين و قد لا نصل إلى المثاليه، لكن دعونا نحاول ان نعود فعلا إلى الدين و الأخلاق والمبادئ، حتى و إن متنا قبل أن نصل، فشرف المحاولة يكفينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى