أيمن عدلي يكتب:بيع الهواء على الفضائيات… عبث يهدد الأمن القومي المصري

في الوقت الذي تخوض فيه مصر واحدة من أعقد معاركها في التاريخ الحديث -معركة الوعي- يبدو أن ساحة الإعلام، التي يفترض أن تكون خط الدفاع الأول، قد تحولت لدى البعض إلى وسيلة للعبث والكسب غير المشروع .. بيع الهواء على الفضائيات أصبح ظاهرة، لا يمكن السكوت عنها، لما تحمله من خطورة على الأمن القومي المصري، وتزييف للوعي، واغتيال متعمد لثقة المواطن في الكلمة والإعلام.
منذ عام 1934 حين انطلقت الإذاعة المصرية، كان هدف الدولة واضحاً: بناء عقل المواطن المصري وتشكيل وجدانه .. لاحقًا، جاء التلفزيون المصري عام 1960 ليكون نافذة للعالم العربي بأسره، يعكس ثقافتنا، ويمد الجسور بين الشعوب ..لكن ما بين الأمس واليوم، هوة سحيقة فتحها الفوضى الإعلامية بعد 2011.
في الوقت الذي تُشجع فيه الدولة الإعلام الحر، وتمنح القنوات الخاصة فرصًا للاستثمار والبناء، يظهر على السطح نموذج مثل “سارة خليفة”، التي تحولت من مذيعة عديمة المؤهل إلى عنوان فضيحة، تخلط بين الإعلام والجريمة، من تجارة مخدرات إلى تزوير..كيف تصل هذه النماذج إلى شاشاتنا؟ كيف يُباع الهواء لمن لا يملك المؤهل ولا يملك الضمير؟
القضية هنا ليست فردية.. قضية “سارة خليفة” ليست فقط فضيحة شخصية، بل جرس إنذار وطني ، نحتاج لتضافر الجهود لفرز الكفاءات التى تستطيع أن تقود العقل الجمعي المصري في تلك القنوات، لأن ما حدث جاء نتيجة مباشرة لغياب المعايير الصارمة في منح الهواء لمن يستحقه.
بيع الهواء يجب أن يتوقف..الإعلام ليس منصة للشهرة أو غسيل الأموال أو تجارة اليأس.. نطالب الدولة، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمراجعة كافة برامج الهواء، خصوصاً السياسية والطبية، لأنها تمس وعي المواطن وصحته بشكل مباشر.. لا يمكن أن نترك الأثير لمن هبّ ودبّ، لمجرد أن لديه المال لشراء ساعة على الهواء ويقول ما يريد.
الإعلام الرسمي-ورغم ما يقال -لا يزال يتمسك بالمعايير الأخلاقية والمهنية وكذلك ماسبيرو..لكن ذلك لا يكفي..
لأن من يتسللون الي الشاشات لا يمروا عبر الإعلام الرسمى، إذا نحن بحاجة إلى انتفاضة حقيقية، تشريعية ومجتمعية، تعيد للإعلام هيبته، وتفرض شروطًا واضحة: لا إعلامي دون مؤهل حقيقي، لا شاشة تُفتح لمن لا يعرف الفرق بين الخبر والشائعة.
المعركة الآن هي معركة وعي، وإذا كان الإعلام قد تحول لسلاح بأيدي من يريدون هدم الدولة، فعلينا أن نعيد ضبط هذا السلاح في يد من يحميها.. يجب أن نكون جنودًا في هذه المعركة، وأن نطرد من صفوفنا من يخون الرسالة.
الإعلام ليس تجارة، وليس وظيفة للباحثين عن الظهور، بل مسؤولية وطنية من الطراز الأول،وعلى من يملكون القنوات أن يتحلوا بالوطنية لا الجشع، فمصر أكبر من أن تباع ساعة على شاشتها لأرخص مزايد.
نريد إعلامًا كما كان: يثقف، يبني، وينير..لا نريد مزيدًا من “سارة خليفة”..نريد قانونًا، ونريد صحوة. الآن.