لأول مرة.. فك شفرة جينوم بشري كامل من مصر القديمة

بعد مرور أربعة عقود على أول محاولة لاستخلاص الحمض النووي من مومياء مصرية، نجح فريق علمي دولي في تحقيق إنجاز غير مسبوق بفك الشفرة الجينية الكاملة لأول إنسان من مصر القديمة، عاش قبل نحو 4500 عام، خلال ما يُعرف بعصر الدولة القديمة، وهي الفترة التي شهدت بناء أولى الأهرامات.
الرفات الذي استُخلصت منه العينة كان لرجل مسنّ دُفن داخل إناء فخاري في موقع أثري يُعرف بـ”النويرات” جنوب القاهرة، ويُعتقد أنه كان يتمتع بمكانة اجتماعية مرتفعة رغم أنه لم يكن من نخبة المجتمع. وتمكن الباحثون من استخراج الحمض النووي من أسنانه، ما أتاح رسم تسلسل الجينوم الكامل بدقة غير مسبوقة.
ويشير التحليل الجيني إلى أن هذا المصري القديم كان يحمل تركيبة وراثية تجمع بين جينات سكان شمال إفريقيا القدماء وسكان منطقة الهلال الخصيب، وخاصة بلاد الرافدين، وهو ما يفتح بابًا واسعًا لفهم طبيعة التداخل السكاني والثقافي في مصر القديمة.
وتأتي هذه النتائج بعد محاولات سابقة لم تُكلل بالنجاح نظرًا لصعوبة استخراج الحمض النووي من المومياوات بسبب مناخ مصر الحار وتأثير عمليات التحنيط على المادة الوراثية. غير أن رفات “النويرات” كان محفوظًا بطريقة بدائية دون تحنيط، مما سهّل عملية التحليل.
البروفيسور بونتوس سكوجلوند، أحد المشرفين على الدراسة من معهد فرانسيس كريك بلندن، أشار إلى أن العينة احتوت على نسبة جيدة من الحمض النووي القديم، وهو ما مكنهم من إنتاج تسلسل جينومي شامل. كما بيّنت فحوص العظام أن الرجل توفي في سن متقدمة، وعانى من أمراض مرتبطة بالمجهود البدني مثل هشاشة العظام، ما يدعم فرضية أنه كان يعمل كخزاف.
من جانبه، وصف ديفيد رايك، خبير الوراثة بجامعة هارفارد، هذا الاكتشاف بأنه “علامة فارقة في علم المصريات الجزيئي”، في حين أشار الدكتور يحيى جاد من المركز القومي للبحوث بالقاهرة إلى أن هذا الجينوم يمثل بداية واعدة، لكنه لا يعكس كامل التنوع الجيني لمصر القديمة، التي كانت بوتقة لانصهار أعراق وثقافات متعددة.
ويأمل الباحثون أن تتيح التكنولوجيا الحديثة تسريع عمليات تحليل الحمض النووي في المستقبل، خاصة مع تطور المختبرات المصرية، دون الانتظار لعقود أخرى.