على مدار عقود طويلة .. كان قطاع الإنتاج بماسبيرو يمثل الركيزة الأساسية لصناعة الدراما المصرية، ليس فقط من حيث الكم ولكن من حيث الجودة والرسالة .. رغم قلة الإمكانيات المادية المتاحة لهذا القطاع مقارنة بميزانيات الإنتاج الضخمة التي نشهدها اليوم في مصر والمنطقة العربية، إلا أن الأعمال التي قدمها ماسبيرو ما زالت محفورة في ذاكرة المشاهدين وتحتل مكانة خاصة في وجدانهم.
الدراما القديمة: فن الرسالة والعمق
لم تكن أعمال ماسبيرو مجرد مواد ترفيهية تُعرض على الشاشة، بل كانت منصة لنشر قيم إنسانية واجتماعية ووطنية ، حيث قدمت هذه الدراما موضوعات متنوعة تتناول قضايا الأسرة، الهوية الوطنية، العدالة الاجتماعية، ونبذ التطرف.
مسلسلات مثل ليالي الحلمية، رأفت الهجان، والشهد والدموع لم تكن مجرد قصص درامية عابرة، بل كانت رسائل مدروسة تعكس روح المجتمع وتناقش قضاياه بجرأة وصدق.
وكان التركيز الأكبر في تلك الفترة على النصوص الدرامية التي تتسم بالعمق والمعالجة الإنسانية ،ورغم بساطة الإنتاج والتقنيات المحدودة، فإن الأداء المميز من كبار النجوم وكتاب السيناريو والمخرجين الأوائل كان كفيلاً بجعل هذه الأعمال نموذجاً يُحتذى به في الفن الراقي.
الدراما الحالية: الإنتاج الضخم ورسائل غائبة
في المقابل، تشهد الدراما في الوقت الحالي تطورًا تقنيًا غير مسبوق ، حيث أصبحت الأعمال تُنتج بميزانيات ضخمة تشمل التصوير في مواقع عالمية، واستخدام أحدث تقنيات التصوير والمؤثرات البصرية ، ومع ذلك يعاني الكثير من هذه الأعمال من غياب الرسالة والمضمون، حيث باتت تسعى غالبًا وراء الربح التجاري على حساب القيمة الفنية والإنسانية.
وتحتل المسلسلات التي تعتمد على الإثارة والعنف أو الموضوعات السطحية مساحة واسعة على الشاشات، ما يثير تساؤلات حول مدى تأثيرها في الجمهور، خاصة الشباب.
ماسبيرو.. حين تكون البساطة قوة
وأرى انه على الرغم من ضيق الميزانيات التي كان يعمل بها قطاع الإنتاج بماسبيرو، إلا أن هذه القيود كانت حافزًا للإبداع لا عائقًا له ، حيث كانت هناك قدرة مدهشة على استغلال الموارد المتاحة بفعالية، والتركيز على عناصر القصة والحوار لبناء عمل درامي قوي يؤثر في الجمهور.
وبكل تأكيد أظهرت تلك الحقبة أن الفن الحقيقي لا يُقاس بكم الأموال المنفقة عليه، بل بقدرته على لمس قلوب الناس وإحداث تغيير إيجابي في المجتمع.
نظرة للمستقبل
في ظل ما نعيشه من تحولات، تبدو الحاجة ماسة للعودة إلى الدراما الهادفة التي تُعلي من قيمة الإنسان وتطرح قضايا المجتمع بصدق ووعي .. ربما يكون ذلك بإحياء روح ماسبيرو، وليس بالضرورة عبر إعادة إنتاج أعماله القديمة، ولكن باقتباس فلسفة الإنتاج الهادف التي ميزته.
وفي ختام سطور هذا المقال أؤكد انه لا يمكن إنكار دور ماسبيرو في تشكيل وجدان أجيال كاملة من المشاهدين ، فقد كانت أعماله مرآة صادقة تعكس قيم المجتمع وأحلامه، ومهما تقدمت تقنيات الإنتاج، يبقى السؤال الأهم: أين الرسالة؟
