يحرص الكُتاب على التفاعل مع جمهورهم من القراء، من خلال حفلات التوقيع، أو الندوات، ومختلف الفعاليات الثقافية الأخرى، ولأن الجمهور هو دليل لا يكذب على مقدار النجاح، يستطيع الكاتب استشعار رد فعل ومدى تفاعل القراء وحماسهم للأعمال المقدمة، أو العكس، حيث يعتبر التواصل الحي مع الجمهور بمثابة موسم الحصاد، فبعد فترات من العمل يستطع أخيرا جني الثمار، فماذا لو جنى أحدهم ثمار لم يزرعها أو يرعاها يوما قط؟!.
ثمار النجاح ليست أموال أو شهرة فقط، الإحساس بالنجاح بعد مشوار طويل من التعب كفيل بمحو أي آثار لتعب أو مشقة بناء أي عمل، ما بالك بشعور من زرع وغيره حصد.
ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تُعرّف بكُتاب الظل، “”shadow writers أو الكاتب الشبح “ghost writer”؛ وكُتاب الظل هم كتاب يتنازلون عن حقوق الملكية الفكرية والأدبية لكتاباتهم لآخرين مقابل المال، ولعل أبرز الأسئلة الملحة لماذا يمكن لأحد أن يتنازل لآخر عن ثمرة تعب وسهر عليها حتى باتت يافعة وجاهزة للقطف، ليأتي غيره وينعم بقطفها، فمنهم من حاول مرارًا وتكرارًا على خروج أعماله للنور إلا أن مساعيه باءت بالفشل ليس لتدنى مستوى الأعمال في أغلب الأوقات ولكن لحسابات السوق كلام آخر، حيث يرى البعض أن الأسماء المعروفة تبيع دون النظر لجودة العمل، وهذا يوفر عليهم الدعاية أو الترويج.
وأحيانا أخرى يتم التنازل بسبب الاحتياج للمال فلكل التزامات ومسؤوليات، وتارة من يتنازل كي ترى أعماله النور حتى وإن نُسبت لغيرهم، ولكن أفضل من يمكنهم الإجابة هم من عايشوا هذه التجربة.
تواصلنا مع الكاتبة منال عبدالحميد التي صرحت بشكل علني عبر حسابها على فيسبوك أنها ستتجه لكتابة الظل لمن يرغب في التواصل.
منال عبدالحميد صدر لها 18 مؤلفًا بين العام 2013 و2019، وحصلت على العديد من الجوائز بينها المركز الأول في مسابقة الجمعية المصرية لأدب الخيال العلمي للقصة القصيرة لأدب الخيال العلمي 2017، و المركز الأول في مسابقة الجمعية المصرية لأدب الخيال العلمي للقصة القصيرة لأدب الخيال العلمي الموجه للطفل 2018.
وكان لنا معها هذا الحوار:
حدثينا عن بداياتك وكيفية احترافك للكتابة.. وأهم وأقرب الأعمال ليكي؟
بداياتي زي معظم الكتاب والمؤلفين، موهبة منذ الصغر، ظهرت في حصص التعبير، والولع بالقراءة، أما الكتابة فتطورت من إنشاء موضوعات التعبير المطولة، التي تزيد عن الحجم المحدد من قبل المعلم، إلى الخواطر، ومن الغريب أنني بدأت بكتابة الرواية قبل القصص القصيرة، أول وثاني عمل روائي لي لا زالا حبيسي الأدراج، ولم يُنشرا بعد، أما الاحتراف فأنا لا أعد نفسي كاتبة محترفة حتى اليوم، بل لا زلت أعتبرها هواية حياتي الأولي والأخيرة.
أول فرصة نشر لي كانت في الكتب الجماعية مع فريقي العزيز (القلم الحر) “وهو فريق أدبي يتكون من مجموعة من الشباب الهواة هدفهم الارتقاء بالأدب الهادف ومحاربة الإسفاف، وهو هو فريق أدبي شبابي مستقل غير تابع لأية جهة أو مؤسسة”.
وبعد ذلك نشرت على حسابي لمرتين، قبل أن تقدم لي “دار غراب” أول فرصة نشر حقيقية لا زلت أعتز بها، ومعهم قدمت أقرب وأحب عمل لي وهو رواية (ستيغماتا)، ثم نشرت مع عدة دور نشر مصرية وعربية أخرى.
قرار كتابة الظل أعلنتي عنه منذ شهرين ونص تقريبًا ما هي أسبابه؟ والمعوقات التي دفعتك لاتخاذ هذا القرار؟
قررت أن أكون واقعية، أواجه ما حولي بنظرة أقل رومانسية، وأنني أدركت أن فرصة ظهور أعمالي، رغم ثناء بعض القراء عليها، وسط خضم مرعب وسوق كاسدة تبور فيها أعمال تستحق، بينما تعلوا أصوات الأعمال الضعيفة والركيكة أحيانا، تكاد تكون معدومة، ذلك بالإضافة إلى حقيقة ظروفي الشخصية، وإقامتي في الصعيد بعيدًا عن كل شيء، دفعني للتفكير الجدي في ترك الكتابة نهائيًا والتخلي عن حلمي الأدبي، فقررت أن أوجه طاقاتي لشيء يحفزني للعمل، حتى إن كان تحت مسمي غير مقبول مثل كاتب الظل، أو الكاتب الشبح، وبعد القرار ولم تصادفني أي معوقات على الإطلاق، فقد بِيعت روايتان وعدة قصص، وطلب البعض تعاونًا مستمرًا في مقالات بدأ بعضها يري النور فعلًا في صفحات متخصصة في الرعب والجرائم وخلافه.
قبل إعلان القرار على فيسبوك هل تلقيتي عرضًا لشراء أحد أعمالك بالفعل؟
أول عمل عرض علي شرائه كان عن طريق معجب على أحد صفحات دار نشر “غير مصرية” طبعت لي كتاب واحد، ورفضت العرض دون نقاش حينها.
بعد القرار هل تم بيع أعمال لصالح آخرين وتم التنازل عنها؟
نعم، روايتين إحداهما تتجاوز السبعين ألف كلمة، والثانية نوفيلا “هي رواية قصيرة، سرد خيالي نثري أطول من القصة القصيرة النوفيليت noveletteوأقصر من الرواية نوفيلNovel “،.. ومجموعة من خمس قصص طويلة، وبعض المقالات المتنوعة.
صفي لنا شعورك وصراعك الداخلي بعد أخذ مثل هذا القرار؟
سأفاجئك لا صراع داخلي على الإطلاق، فقد وصلت مرحلة من التفكير جعلت أمامي خيارين، إما أن استمر في تحمل نهش الألم طيلة عمري، إذ أنني أعلم يقينا أن وضعي الحالي يصعب جدا أو ربما يستحيل تغييره، على الأقل لعدة سنوات قادمة، وإما أن ألجأ إلى طريق آخر لتفريغ احباطاتي وآلامي، وكانت كتابة الظل هي عملية البتر والاستئصال التي لجأت إليها، ولفرط نقمتي على كل شيء لم أحتاج مخدرًا من أي نوع، إذ أنني قد فقدت معظم المشاعر الطبيعية منذ فترة لا بأس بها.
في حال بيع أحد أعمالك وخروجها للنور ونجاحها تحت اسم آخر.. ما هو شعورك هل ستكوني سعيدة للنجاح ولا حزينة كونها منسوبة لغيرك؟
سأكون سعيدة لأن العمل حقق نجاحًا، مهما يكن الاسم الذي يحمله، هذا شبيه بأن تتخلي عن ابنك لأسرة أخري أقدر منك على رعايته وكفالته، وتوفير كل الظروف له، إن أي نجاح يحققه ذلك الابن يفرحك، بالرغم من أنه لا يحمل اسمك وليس منسوبا إليك علنًا، إنه نفس الشيء تقريبًا، كما أنني عولت على تناسي الأمر، فور اتمام عملية البيع، وعدم تتبع مصيره، بمعني أنني أسلم العمل، ثم أتعمد عدم السؤال، أو متابعة من قام بشرائه أو محاولة معرفة أي شيء عن مآل العمل.
هل الأسماء الكبيرة تبيع بغض النظر عن جودة العمل.. وهذا يوفر على دور النشر الدعايا والترويج وأحد أسباب معاناة شباب الكتاب؟.. وهل عانيتي من ذلك بالفعل؟
أنا وجيل كامل من الكتاب، قيل لنا بصراحة أن عدد المتابعين هو الفيصل، في بعض الاحيان رفضت أعمال لي، برغم إشادة لجان القراءة بها، لكوني لست على علاقة جيدة بالشلل الأدبية المعروفة، ولا نصير لي في وسط أصبح البعض فيه يشبه عائلات المافيا، لكنني الآن دخلت مرحلة السلام النفسي، و”خليها تولع” صارت شعاري المفضل، حرفيًا لم أعد أبالي أو أهتم بشيء.
هل أحد أسباب قرار كتابة الظل كان مادي؟.. وهل المقابل مجزي؟
بالطبع كان لدي رغبة في تحقيق الربح المادي، لأكون صريحة قررت أن أستفيد من كتاباتي وعملي وجهدي بأية طريقة، ما دام الجهد المستمر والعمل المخلص لا مكان له في ظروف كتلك، أقول لك الحقيقة لم أكن أتوقع أن الأمر مجزي أو مربح إلي هذا الحد، إن بيع عمل واحد حقق لي ما يعادل راتبي في التعليم في سنة وربما أكثر، مع العلم أن هناك من يطلبون مبالغ أكبر بكثير من التي أطلبها، لكن أعتقد أن السنوات القادمة ستعلمني كيف أكون أكثر شطارة في المساومة.
هل نعتبر اتجاه البعض لـ “كتابة الظل” ظاهرة ولكنها مازالت حالات فردية؟
وفقا لما عرفته بشكل خاص من بعض من صارحوني بكونهم كتاب ظل، بعد إعلاني على صفحتي، فإن ثمة عدد غير قليل دخل هذا المجال، بعضهم تعرض لعمليات خداع وتحايل من دور نشر غير مسئولة عرضوا عليها أعمالهم، ففوجئوا بنشر النص بأسماء آخرين، بعد الرد عليهم برفض العمل المقدم من قبلهم، أما الآخرين فكانوا على شاكلتي قد أخذوا القرار بكامل إرادتهم واختيارهم.
ورغم ما سبق فكتابة الظل ليست بجديدة أو مستحدثة ولكن ليست كسالفة الذكر، لجأ بعض الكتاب للكتابة تحت أسماء مستعارة “لا وجود لها” خوفًا من ملاحقة الأنظمة على سبيل المثال أو لأغراض أخرى في نفس الكاتب، وليس كتاب المقالات أو الصحفيين فقط، فقد لجأ بعض الأدباء العالميين للكتابة تحت اسم مستعار، على اختلاف الغرض.
لعل أبرزهم عالميًا:
-الكاتبة البريطانية “ج. ك. رولينج”، مؤلفة روايات “هاري بوتر”، فقد كتبت أعمالها تحت اسم آخر: روبرت جالبريث، وتقول تقارير إنها ربما اختارت ذلك الاسم حتى تتمتع بحياة طبيعية بعيدًا عن الأضواء، إلا أن حيلتها لم تنجح، حيث تمكن العديد من اكتشاف حقيقة اسمها، في الوقت الذي حققت فيه نجاحا كبيرًا، وباعت نسخًا عديدة من مؤلفاتها.
-وأيضا الكاتب الأمريكي “ستيفن كينج”، الذي يعد أحد أشهر الكتاب الأمريكيين وأكثرهم ثراءً، إلا أنه قام بكتابة أربعة روايات، مستخدمًا اسم ريتشارد باكمان، وتؤكد الصحيفة أنه قد لجأ إلى ذلك ربما لجذب مزيد من الجمهور إلى عالمه، خاصة أن هذه الروايات الأربع كانت في بداية مسيرته.
-والكاتب الأمريكي “ويليام جوزيف كينيدي” تجربة مختلفة في هذا الصدد، إذ أنه استخدم اسم امرأة تدعى “ديانا دياموند”، والكاتب الأمريكي الشهير “دونالد ويست لاك”، والذي ذاع اسمه في الرواية البوليسية الأمريكية بمؤلفات تتجاوز المئة رواية، فقد استخدم العديد من الأسماء المستعارة في كتاباته، من بينها: ريتشارد ستارك، آلان مارشال، إيدوين ويست، وكورت كلارك، وغيرهم.
أما تاريخ الصحافة المصرية مليء بمثل هذه النماذج، فعلى مدار ما يقرب من عشرين عاماً، استمر الكاتب الصحفي مفيد فوزي في الكتابة عن المرأة ومشاعرها ومشاكلها، في الصفحة الأخيرة من مجلة “صباح الخير”، تحت اسم “نادية عابد”، ليعترف بعدها بأن الكتابة باسم مستعار تمنح الكاتب قدرا من الحرية، فضلا عن استخدامه لهذا الاسم لتناول قضايا المرأة بشكل غير مألوف في الصحافة العربية والمصرية في ذلك الوقت.
وبدأ الأديب الكبير أنيس منصور عمله في مجلة روز اليوسف، عام 1952، باسم نسائي مستعار هو “سيلفانا ماريللي”، وحقق نجاحا لافتًا، لدرجة أنه في عدد واحد من المجلة ظهرت إمضاءات جديدة أخرى، منها (أحلام شريف – منى جعفر ….)، ولم تكن هذه التوقيعات إلا أسماء مستعارة أيضا لأنيس منصور.
في جرائد السياسة وأبو الهول والأهرام، بدأ محمد التابعي، مؤسس مجلة “آخر ساعة” كتابة مقالاته الفنية عام 1942، تحت توقيع “حندس”، وفي بداية تأسيس مجلة “روز اليوسف” حرص على ألا يكتب في السياسة، وبدأ بباب نسائي يحرره بتوقيع “الآنسة حكمت”، ثم باب “حواري”، وبعض المقالات بتوقيع “حندس”، فقد كان يعمل موظفا في البرلمان المصري، وكادت مقالاته السياسية بعد ذلك أن تحدث أزمة سياسية بين الدستوريين والسعديين.
فيما كتب إحسان عبد القدوس مئات المقالات الموجهة للمرأة تحت توقيع “سونة” و”زوجة أحمد”، وحينما انكشف أمره جمع كل المقالات في كتاب حمل نفس الاسم الأخير، حيث كان يكتب في الأشياء التي لا تستطيع الأقلام النسائية وقتها أن تتناولها أو حتى تقترب منها، مثل الخيانة الزوجية، في محاولة منه لفتح هذا الباب للمرأة كي تنطلق منه وتُعبّر بحرية مطلقة عن أفكارها ومشاكلها.
وفي التسعينيات، خصص الكاتب إبراهيم سعدة رئيس تحرير “أخبار اليوم” عمودًا في الصفحة الأخيرة، ليكتب فيه منتقدًا الكثير من المشاهير، بتوقيع أنور وجدي، تحت عنوان “هذا رأيي”، وذلك حتى عام 2005، وإلى جوار “هذا رأيي” كان سعدة يكتب مقال “الموقف السياسي” على الصفحة الأولى، ويستكمله على صفحة كاملة داخل الجريدة.
وبعد ردود الأفعال الواسعة تجاه مقالات أنور وجدي، وصل الأمر بإحدى الجرائد المستقلة إلى أن خصصت عمودا لديها للرد على مقالاته، تحت توقيع “ليلى مراد”.
أما الكاتب الكبير مصطفى أمين كان يكتب مقالًا في جريدة “الأخبار” باسم “مصمص”، لينتقد فيه النظام والكثير من القرارات.
ومؤخرا نشرت جريدة “المصري اليوم” سلسلة مقالات بتوقيع “نيوتن” حول سيناء، ولم يعلم أحد من هو “نيوتن” صاحب العمود الشهير في جريدة “المصري اليوم”، وظل لغزا محيرا، رغم الجهود الكثيرة التي بذلت للكشف عن هويته، إلا أنه ظل غامضا حتى تم الإعلان عن الأمر عقب وفاة الكاتب الصحفي عبد الله كمال، ليُعلَن أنه هو صاحب هذه المقالات، وقيل بعد ذلك إنه أخفى اسمه بسبب الحالة السياسية.