المغرب والجزائر.. خلاف حدود أم مصالح خفية؟
ترجع جذور الخلاف بين المغرب والجزائر إلى الاحتلال الفرنسي الذي لم يحدد بدقة حدود البلدين، وهذه عادة المحتل لخلق نزاع متصل بين الشعوب.
بعد استقلال الجزائر، اندلعت حرب الرمال بين البلدين ١٩٦٣ بسبب الحدود، حيث أرادت المغرب السيطرة على منطقتي ” تندوف و بشار” من الجزائر، وقبل ذلك عرضت فرنسا على المغرب استعادة هذه المناطق شريطة تأسيس شركة فرنسية مغربية لاستغلال الموارد المنجمية في الصحراء، ووقف دعم الثورة الجزائرية، لكن الملك محمد الخامس رفض، مؤكداً حل هذه المشاكل مع الجزائر بعد استقلاله، والذي طلب رئيسه” أحمد بن بلة” من الملك حسن الثاني- الذي ذكره بوضع الحدود بين البلدين في زيارته للجزائر – إرجاء الأمر لحين استكمال بناء المؤسسات الجزائرية، ثم رفض هذه المطالب بعد ذلك، لتبدأ الحرب الإعلامية ثم الاشتباكات العسكرية بين الدولتين، وتوسطت الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية لوقف إطلاق النار، لتنهي الحرب ١٩٦٤.
الصحراء الغربية:
بعد استقلال المغرب عن الاحتلال الفرنسي، بقيت سبتة و مليلية والصحراء الغربية تحت سيطرة الأسبان، ليستمر المغرب بالمطالبة بالصحراء الغربية، فقاد الملك الحسن الثاني مظاهرة شعبية إليها – المسيرة الخضراء ١٩٧٥ بمشاركة نحو ٣٥٠ ألف مغربي -، لتنسحب إسبانيا منها في إطار اتفاقية مدريد، ليتقاسمها المغرب و موريتانيا – الساقية الحمراء للمغرب و وادي الذهب لموريتانيا-، ليبدأ الصراع بين المغرب و البوليساريو – جبهة مسلحة تأسست ١٩٧٣ تسعى لانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، وحظيت بدعم الجزائر التي اعترفت بها ١٩٧٦،مما أدى لتوترات مع المغرب وقطع علاقته بها – واضطرت موريتانيا بسبب المعارك إلى التنازل عن إقليم وادي الذهب، لتسيطر المغرب على نحو ٨٠٪ من الصحراء.
وافق الملك محمد السادس على حكم ذاتي للصحراء تحت سيادة المغرب، لكن البوليساريو طالبوا بالانفصال.
بالرغم من معاهدة ” افران” ١٩٦٩،التي عقدها الرئيس الجزائري هواري بومدين مع المغرب – وهي معاهدة أخوة وحسن جوار -، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تهنأ بالدفء لفترات طويلة، فبعد تفجيرات مراكش ١٩٩٤ – التي اتهمت فيها المغرب المخابرات الجزائرية – أغلق المغرب حدوده مع الجزائر وفرض تأشيرة دخول على الجزائريين لدخول المغرب، لترد الجزائر بغلق الحدود البرية.
وبعد تولى عبدالمجيد تبون رئاسة الجزائر ديسمبر ٢٠١٩، أرسل ملك المغرب رسالة تهنئة يدعو فيها لفتح صفحة جديدة، وفي ديسمبر ٢٠٢٠ نددت الجزائر بمحاولات أجنبية لزعزعة استقرارها، متهمة إسرائيل التي وقعت مع المغرب معاهدة تطبيع أفضت لاعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
وفي يوليو ٢٠٢١،استدعت الجزائر سفيرها لدى المغرب للتشاور على خلفية ملف الصحراء الغربية، وأعلن المغرب أسفه للتوترات ودعا لفتح الحدود البرية، لتندلع حرائق الجزائر أغسطس الجاري وتتهم الجزائر المغرب بالتورط فيها.
وأعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب نظراً لما وصفته بالأعمال العدائية ضدها منذ الاستقلال، واستخدام المغرب برنامج تجسس إسرائيلي ” بيغاسوس” للتجسس على مسؤولين جزائريين، ودعم حركات متمردة “ماك و رشاد”، وتصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي العدوانية ضد الجزائر من أرض المغرب – الأمر الذي اعتبرته الجزائر مخالفاً للأعراف والاتفاقات المغربية الجزائرية -، بالإضافة لتصريحات سفير المغرب بالأمم المتحدة عن الدعم المغربي لاستقلال شعب القبائل، الموقف الذي بررته المغرب بأنه مماثل لموقف الجزائر الداعم للبوليساريو.
والتساؤل هنا، إن كانت الجزائر لا تطمع في ضم الصحراء الغربية، فلماذا تستثير عداء المغرب بدعم انفصالها ؟!
سياسياً، من ضمن تصنيفات الهدف القومي للدولة ” national goal” ،أهداف معلنة وأهداف غير معلنة.
لذا يرى بعض المحللين، أن الأسباب المعلنة لدعم الجزائر للبوليساريو هي مباديء السياسة الخارجية الجزائرية الداعمة لحق الشعوب في تقرير مصيرها والتخلص من الاحتلال، نظراً لما عانته من ويلات الاحتلال الفرنسي.
أما الأسباب غير المعلنة تتمثل في إشغال المغرب في قضية الصحراء الغربية عن طموحاته في الصحراء الشرقية، و لتصفية الخلافات المستمرة مع المغرب – لسان حال المثل المصري “العند خراب بيوت” حيث تصفية الخلافات عن طريق دعم الانفصاليين – بالإضافة إلى المنافسة على زعامة المغرب العربي “هيمنة إقليمية” ، لذا يجب عدم السماح للمغرب بزيادة نفوذه وقوته من خلال سيطرته على الصحراء.
ويمكن تحليل ذلك من خلال نظرية جون ميرشايمر “الواقعية الهجومية” في كتابه ” مأساة سياسة الدول العظمى”، حيث قال إن من ضمن استراتيجيات الدولة من أجل البقاء على الهيمنة، هو الهيمنة الإقليمية، وكما نعلم أن الغاية تبرر الوسيلة ” منطق ميكافيللي” فكل الوسائل مباحة لتحقيق هدف الهيمنة، حتى وإن كان دعم انفصال إقليم لا يملك مقومات دولة بالمعايير السياسية.
وفي المقابل، نجد استماتة المغرب في التمسك بالصحراء دون سبتة ومليلية وتندوف – مثلا-، وأرجع البعض ذلك لثروات الصحراء خاصة الفوسفات، بالإضافة للسواحل الممتدة على المحيط الأطلنطي، علاوة على مساحتها الشاسعة ٢٦٦ ألف كم متربع – وهي مساحة تفوق مساحة المملكة المتحدة -، كما يرى المغرب أنها جزء لا يتجزأ منه.
إذا كانت الخلافات بين البلدين موجودة منذ زمن، فما الذي جددها وصعّدها بهذا الشكل الآن؟!
يرى محللون أن اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية جاء مقايضة للتطبيع مع إسرائيل، حيث بات واضحاً للجميع محاولة إعادة ترتيب وتهيئة المنطقة لتقبل إسرائيل، هذا من جانب، ومن جانب آخر مواجهة النفوذ الإيراني و التركي، وبالتالي سعت أمريكا لجذب المغرب لمعسكرها.
فيما اعتبرت الجزائر هذا التطبيع تهديدا لها، حيث الإتيان بالعدو على حدودها، فهي ترى أنه لا سلام مع إسرائيل إلا بعد قيام دولة فلسطينية، فهل سيستمر موقف الجزائر هكذا، أم أن دخول المغرب معسكر أمريكا و إسرائيل سيدفع الجزائر لإعادة ترتيب أوراقها تجاه عملية التطبيع؟
ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه، إن كان جذور الخلاف بين الدولتين يرجع لأزمة حدودية، فلماذا يستمر حتى الآن رغم اتفاقية ترسيم الحدود ١٩٧٢ – والتي لم يصادق عليها البرلمان المغربي ولم تنشر في الجريدة الرسمية إلا سنة ١٩٩٢ -، وماهي الدوافع الحقيقية للخلاف الطويل بين البلدين والذي لم يجنيا منه أي مكاسب؟!
في أدبيات السياسة، يمكن تبرير العداء أو الحرب مع دولة لتحويل انتباه الشعب عن المشاكل الداخلية لتوحيد جهوده ضد عدو خارجي، أو لتبرير إجراءات عدائية ضد دول أخرى.
بالإضافة إلى أن أي نظام سياسي يعتمد على تقديم مبررات لأفعاله- سواء كانت هذه المبررات حقيقية أم لا – لتهيئة الرأي العام لقبول هذه الأفعال.
ولما كانت الدول المعاصرة تحتاج لإقناع شعوبها بضرورة العداء أو الدخول في حرب مع دولة أخرى – عكس الدول قديما، كان إصدار قرار الحرب و إنهائه بأمر الملك دون العودة للرأي العام – كان لزاما على الدولة إقناع الشعب بضرورة الدخول في عداء أو حرب ضد دولة ما، ومن ثم حشد الجماهير من خلال الحملات الإعلامية والسياسية لإقناعهم.
في حالة المغرب والجزائر، نتحدث عن دولتين كلا منهما يعاني أزمات داخلية متعددة، من مشاكل اقتصادية واجتماعية، إلى الضبابية الثقافية واللغوية الناتجة عن الاحتلال الفرنسي، والذي نتج عنه تيارين أحدهما متأثر بالغرب والآخر يحمل المقومات الأصيلة للمجتمعات العربية، وما صاحب ذلك من صدام فكري بين التيارين، بالإضافة لمشكلة القبائل التي تعانى منها الجزائر منذ عشرات السنين، بدءاً من ١٩٦٣ حتى حراك ٢٠١٩، علاوة على مظاهرات الجزائر أبريل ٢٠٢١ للمطالبة بتفكيك النظام الحالي وإطلاق سراح المعتقلين.
وبالرغم من وجود كل هذه المشاكل في البلدين، وبدلاً من تكثيف الجهود ولحلها، نجد توجيه الجهود والحشد الشعبي للعداء مع الدولة الأخرى، وإثارة القلاقل بين الحين والآخر، وزرع الضغينة بين شعبين شقيقين ما يجمعهما من روابط أكثر مما يفرقهما، وكأن الأنظمة تسعى لإلهاء الشعوب عن مشاكلهم الداخلية بمعاداة بعضهم البعض، للوصول إلى أهداف غير معلومة غير الأهداف المعلن عنها للشعوب.
وإن كانت الشعوب تريد الاستقرار و التنمية، وعدم الانزلاق لصراعات مع بعضها البعض، فلماذا تصر الأنظمة على استمرار وتصعيد الخلاف؟! ولصالح من هذا الخلاف إن لم تكن الشعوب هي مستفيدة شيئاً، بل هو استنزاف لطاقاتها وثرواتها وضرب للوحدة بينهم، وهل سيستمر الخلاف لعقود أخرى كالتي مضت، أم سيتم إعادة الحسابات، خاصة بعد التواجد الإسرائيلي في المنطقة بشكل رسمي؟!