بسمة الصقار تكتب: الحضارة المصرية في جيب كل مواطن
ليس لزامًا عليك أن تسافر إلى الأقصر أو أسوان كي تري بعينك ما تركه أجدادنا العظام.
وليس من الضروري أن تبحث عن برديات قديمة كي تقرأ ما سطره جدك بخط يديه بحروفه المقدسة من رسائل خفية تركها لك وحدك!!
عليك فقط أن تفتح محفظة نقودك أو ذلك الدرج الأخير من مكتبك الذي تحتفظ فيه بأوراقك الرسمية.
فبداية من أصغر الفئات إلى أكبرها نجد حضارتنا الضاربة في عمق التاريخ حية زاهية شامخة.
ها هو وجه نفرتيتي الساحر علي الورقة فئة خمسة قروش، والكاتب الجالس الذي يرمز لإعلاء قيمة العلم علي الورقة فئة مئتي جنيه وجواره رسالة بالحروف المصرية القديمة (حتب بو كمت) أي مصر هي السلام.
وبين الخمسة قروش والمئتين جنيه سنأخذك في رحلة عبر الحضارة المصرية العظيمة، هنا يقف الملك العظيم رمسيس الثاني علي الورقة فئة الخمسين قرشا.
وها هو معبد أبي سمبل علي الجنيه، وصورة رائعة للإله (حابي) إله النيل على الخمسة جنيهات، والملك خفرع العظيم علي العشرة جنيهات.
وتلك العجلة الحربية التي استخدمها أجدادنا في تطوير سلاحهم الحربي منذ عصر الهكسوس وحتى الامبراطورية المصرية الممتدة في عصر تحتمس الثالث علي العشرين جنيها.
وعندما تصل الي الخمسين جنيها ستجد نفسك واقفا بعزة بين صروح معبد حورس في مدينة إدفو بأسوان، وفي النهاية ستجد أبا الهول العظيم حارسا أمينا على فئة المائة جنيها الموجودة في جيب سترتك الأيمن.
لم يتوقف إبداع ذلك المصمم العبقري العاشق الدارس لتلك الحضارة العريقة عند العملة المصرية فقط، بل وصل إبداعه إلى أن يكون الشعار الشهير للبنك الأهلي المصري المتمثل في مربع بدون ضلع جنوبي وبداخله ما يمثل رسمة تشبه الطبق وأسفلها ثلاث خطوط رأسية ما هو إلا جملة مصرية قديمة تُقرأ (بر نوب) أي (بيت الذهب).
كل هذا الإبداع دفع صحيفة التيليجراف البريطانية إلى اختيار عملة الجنيه المصري كأفضل تصميم للعملة على مستوي العالم من ناحية الشكل والتصميم وتناسق الألوان عام ٢٠١٥.
يأتي هذا في الوقت الذي تطبع على عملات دول العالم كله صور ملوك معاصرين لتلك الدول أو مؤسسين لها أقدمهم جورج واشنطن والذي كان أول رئيس للولايات المتحدة عام ١٧٨٩ ميلادية مرورا بتوماس جيفرسون أو ابراهام لينكولن أو حتى بنجامين فرانكلين التي تزين صورهم الفئات المختلفة للدولار الأمريكي.
لم يتوقف عشق الحضارة المصرية واستلهام منجزاتها ومفرداتها عند ذلك المصمم العاشق، بل امتد الي ذلك العبقري المتيم بالحضارة المصرية المسئول عن تصميم الوثائق المصرية فستجد شهادة ميلادك التي استخرجتها للتو مكرر على إطارها الخارجي جملة بالحروف المصرية القديمة (مس إم كمت) بمعني (ولد في مصر).
وإذا أردت أن تستخرج وثيقة زواج ستجد أيضا جملتين بالمصري القديم تزين الإطار:
(ردي إم حمت) بمعني (مُنح زوجة)
(سش إير حمت) بمعني (كُتبت له زوجة)
وحتى وثيقة الوفاة مكتوب عليها بنفس التصميم
(مِت إم كمت) أي (توفي في مصر)
هذا علاوة على العديد من العلامات المائية المستوحاة من رموزنا المصرية القديمة مثل وجه توت عنخ آمون ورأس نفرتيتي وعين حورس التي تثبت أن تلك الوثيقة أصلية وغير مزورة.
تحية تقدير وإكبار لهؤلاء العباقرة العاشقين للحضارة المصرية الذين فكروا ونفذوا تلك التصميمات المتفردة التي أعطت للعملة والوثائق المصرية بعدا تاريخيا وفلسفيا يستمد نوره من وهج حضارتنا الخالدة.
وأتمنى أن يمتد هذا العشق وهذا التوظيف الرائع والدقيق لكل مسؤول ولكل مبدع في مصرنا الحبيبة، وأن يعلم كل منا أن التفرد والتميز يأتيان فقط حين نغوص في بحر حضارتنا الواسع، لنعود بلآلئ نادرة لا يوجد منها إلا نسخة واحدة في أرض كمت العظيمة.