مقالات

بسمة الصقار تكتب: هدايا مصر للعالم لم تقف عند شجرة الميلاد

لن أكون مبالغة حين أقول إن كل تفصيلة فلسفية خلف كل طقس تقوم به أنت مهما كان معتقدك أو موطنك، من أقصي الأرض أم أدناها، شرقا قطنت أم غربا إلا وكانت أصلها مصريا أصيلا.

دعونا في البداية نفرق بوضوح بين مفهوم الإيمان وبين الطقس الذي نقوم به تعبيرا عن هذا الإيمان أو بعبارة أخرى المرجعية الدينية لاحتفال ما، والمرجعية الثقافية والحضارية والتاريخية التي تبني عليها طقوس هذا الاحتفال، فنجد أن العالم وهو يحتفل في ليلة (٢٥ ديسمبر ) من كل عام باحتفالات الكريسماس عليه أن يتذكر أن المصري القديم الذي آمن بالإله الواحد منذ فجر التاريخ كانت أحد أعمدة إيمانه هي ثالوث (الأب اوزير والعذراء ايزيس والابن الالهي حورس) والتي لم تخلو أيا من أدبياته من إشارة إلى أسطورتهم التي اخترقت الأزمان حين بحثت إيزيس عن جسد أوزوريس في أحراش الوادي والدلتا إلى أن هداها وجدانها إلى موضع وجوده في لبنان وعادت بجسده ملفوف في شجرة إلى أن وصلت إلى ابيدوس في سوهاج.

وهناك قام أوزير من بين الأموات تحت ظل شجرة خضراء يانعة وتكون هذه المعجزة في ليلة (١٥ كيهك) الذي يوافق ليلة (٢٥ ديسمبر) ومن وقتها والمصريين يأتون أفواجا من كل حدب وصوب ليلة ١٥ كيهك لأبيدوس، وفِي أيدهم شجرة خضراء يانعة يغرسونها في الأرض ويضعون تحتها أمنياتهم ملفوفة كي يتجلي عليها الإله الذي قام من بين الأموات ويحققها لهم ويطلقون على هذا العيد (عيد الشجرة).

ولأن المصري لا ينسي ماضيه وعنده حنين دائم للاحتفاظ بطقوسه مع اختلاف العقائد، فوجدوا أنه لا يوجد أي تعارض بين كون يوم ١٥ كيهك هو أقصر نهار وأبعد موقع للشمس عن الأرض في الديانة الشمسية (رع) وبداية رحلتها من جديد من الجنوب للشمال لإعادة الحياة للأرض مرة تانية وبين قيامة أوزير من الأموات في العقيدة الأوزيرية وإعادة الخصب والنماء للأرض مرة أخرى فكان الاحتفال بالشجرة، والمركب الذي يحمل الشمس من الجنوب للشمال، وأيضا لا يوجد أي غضاضة من الاحتفال بنفس الشجرة ونفس الطقوس في عيد ميلاد السيد المسيح فهو الحي الذي قام من بين الأموات.

ولم يتوقف المصريون عن التعبير عن احتفالاتهم عند حدود الشجرة وفقط ولكنهم حين أرادوا بناء كنيسة قاموا ببنائها علي شكل مركب أو سفينة، والتي تنقل  الشعب المسيحي المؤمن إلى ملكوت السماوات وإلى حضن السيد المسيح ، كما كان يُحمل ثالوث (امون -موت-خنسو )علي مركبه المقدسة التي تصل الروح إلى أفق الإله .

وحين رمز المصريون للسيد المسيح رمزوا اليه (بالشمس والسمكة وعنقود العنب) وجميعها رموز للإله (حورس)، حتي أن كلمة Christ اللاتينية تعود إلى الأصل المصري القديم (karast ) أي الممسوح بالزيت وكان قديما يطلق هذا الاسم علي حورس .

وعندما أراد المصري في العصر المسيحي أن يعبر بالفن عن أحد قديسيه الاستثنائيين القديس العظيم مارجرجس لم يجد في ذهنه اعظم من أيقونة حورس وهو يقتل من فوق حصانه (ست) في صورة تمساح، فصوَّر القديس مارجرجس علي حصانه وهو يقتل برمحه الشيطان متمثلا في تنين

ومازال العالم يحتفل بالشجرة ويعلق عليها أمنياته، ويضع الأوزة البرية المصرية في وسط مائدته وحين توقف الاحتفال بها وحل محلها الديك الرومي صنعها من الشيكولاته لتباع وقت الكريسماس في سويسرا وألمانيا.

وهنا من مصر التي أهدت العالم طقوس الفرح والبهجة وأمدت الأديان الرمزية الطقسية والمرجعية الحضارية والفلسفية لكل عيد أقول كل عام والعالم يحتفل علي الطريقة المصرية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى