دلال عبدالعزيز من الشرقية إلى سماء المجد.. “فطوم” حافظت على نجاحها حتى النهاية وتركت بصمات خالدة في عالم الفن
جنازة حاشدة، شارك فيها المئات من الفنانين والمواطنين، لتوديع وتشييع واحدة من أهم الفنانات في الوطن العربي.. لا صوت في القاهرة علا فوق صوت الدعوات لـ دلال عبد العزيز، التي وصلت محطتها الأخيرة بمقابر الوفاء والأمل، بعد نحو ثلاثة أشهر على مرضها، و77 يومًا على وفاة رفيق دربها زوجها الفنان سمير غانم، عقب إصابتهما بفيروس كورونا المستجد.
دلال عبدالعزيز تلك الفتاة الجميلة، الرقيقة البسيطة التي هبطت أرض المعز قادمة من الزقازيق بالشرقية، بعد أن تخرجت من كلية الزراعة، وراودتها أحلام الأضواء والشهرة، فبدأت رحلتها الفنية من المسرح (أبو الفنون)، ليكتب لها القدر موعدا مع حبيب العمر “سمير غانم”، الذي اشتركت معه في مسرحية بعنوان “أهلا يادكتور”، ليقع سمورة في غرامها منذ اللحظة الأولى.
استمرت علاقتهما كزملاء في مسرحية واحدة قرابة السنة، حيث اعتاد سمير أن يوصلها يوميا بعد العرض المسرحي ومن هنا بدأت قصة حب لطيفة بينهما، فقررت دلال تتويج هذا الحب بالزواج، لكنها وجدت مماطلة غير مبررة من سمير غانم، الذي عرف عنه في هذا التوقيت نفوره من الزواج ومحاربته للفكرة نفسها.
بعد عدة وساطات فنية، استطاع الملك فريد شوقي، إقناع سمير بالزواج من دلال، أثناء تصويرهم فيلم “يارب ولد”، وتزوجت دلال من سمير وكان لها ما أرادت.
أنجبت دلال من سمورة ابنيتها “إيمي” و”دنيا”، فلم تترك الفرصة لسمير للانشغال عنها بمعجباته، واستطاعت بالفعل أن تدخر وقته لبيته وابنتيه.
نجحت دلال عبدالعزيز في نظرية الأم الفنانة، عكس الكثيرات من فنانات جيلها أو من سبقوها، فقد استطاعت التوفيق بين مهمتها بالمنزل كأم وزوجة ومهمتها في العمل كممثلة من أهم وأقوى فنانات جيلها.
رفعت دلال شعار التحدي في كل شيء، واستطاعت تقديم أعمال محفورة في ذاكرة المشاهد العربي مثل” بئر الخيانة، وإنقاذ مايمكن إنقاذه، عشماوي، النوم في العسل، أسرار البنات وغيرها”.
الدراما كذلك تركت فيها دلال بصمات خالدة، وقدمت أدوارا لايمكن نسيانها: صبيحة في مسلسل “سعد اليتيم”، نعمة في “حديث الصباح والمساء”، فطوم في “الناس في كفر عسكر”، ودورها في الجزء الثاني منه بعنوان “حكايات المدندش”، مسلسل سابع جار، وغيرها من الأعمال التلفزيونية المحفورة في ذاكرة المشاهد المصري والعربي، لا يمل من مشاهدتها.
حققت دلال حكمة “من السهل أن تنجح لكن من الصعب أن تظل ناجحا”، فقد استمرت في نجاحاتها بشكل متتال حتى الرمق الأخير، حيث فضلت الاشتراك مع الجيل الجديد بأدوار الأم بدلا من الجلوس في المنزل كأغلب الفنانات اللواتي يرفضن أداء أدوار الأم أو الجدة بعدما يتقدم بهن العمر، وتصغر مساحة أدوارهن.
لذلك، شاركت مع بناتها في عدة أعمال تليفزيونية شهيرة مثل: نيللي وشريهان، سوبر ميرو، وعالم موازي، الذي لم يمهلها القدر استكماله حيث أصيبت بفيروس كورونا بعد ثلاث شهور من بداية التصوير.
كوّنت دلال مع رجاء الجداوي وميرفت أمين علاقة صداقة قوية، جمعت الثلاثي الذي أطلق عليه سمير غانم مازحا “مثلث العزاءات”، بسبب إصرارهن على حضور عزاءات الوسط الفني كاملة، فقد كانت دلال أول الحضور لواجب العزاء وآخر من تخرج منه، حتى صدمت دلال بخبر رحيل رجاء الجداوي بعد إصابتها بكورونا.
من أبرز مواقف جدعنة دلال عبدالعزيز بعد رحيل صديقتها رجاء، حرصها على قراءة القرآن، وعمل خاتمة أسبوعية تضم عددا من فنانات الوسط الفني على روح صديقتهن الراحلة بشكل مستمر، فقد تم ختم القرآن وقت مرض الفنانة الراحلة من وقت دخولها المستشفى إلى توقيت وفاتها 32 مرة.
كورونا التي منعت دلال من إحياء الذكرى الأولى لوفاة صديقتها رجاء الجداوي، لم تكن أبدا رحيمة بها، فقد مرت بنفس مراحل مرض صديقتها رجاء، عقب إصابتها وزوجها سمير غانم، ووفاته في الـ 20 من مايو الماضي.
وقد تشابهت نهايتا رجاء ودلال، فكلاهما قد أصيبتا بالفيروس، ثم نقلتا إلى المستشفى، وتواجدا مايقارب التسعين يوما، واجتمع الأطباء أن كلاهما يحتاج لزرع رئة، وتم وضعهما على جهاز التنفس الصناعي، ورحلا بعد رحلة عذاب مع الفيروس وتبعاته.
رفضت الأسرة إخبار دلال طريحة المستشفى بخبر وفاة حبيب عمرها، خوفا من تأثر حالتها النفسية، إلا أنها كانت دائمة السؤال عليه، وكأنها تشعر أنه فارق الحياة، لذلك أبت دلال ألا تعيش في دنيا رحل عنها سمير غانم.
ومع تأكيد الأطباء على ضرورة زرع رئة جديدة بسبب تليف شبه كامل لرئتيها، ورفض الأسرة لمقترح الأطباء خوفا من خطورته، صعدت روحها إلى بارئها، لتضرب موعدا جديدا مع زوجها الراحل وصديقتها رجاء الجداوي لكن في السماء.