طلع البدر علينا| سبب الاحتفال برأس السنة الهجرية في محرم رغم أن الرسول هاجر في ربيع الأول.. تآمرت قريش على إنهاء حياة المصطفى في مكة فاستقبله أهل المدينة المنورة بالأهازيج
يحتفل المصريون كل عام بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في الأول من شهر محرم، رغم أن الرسول هاجر في شهر ربيع الأول، وعزا العلماء إن سبب الاحتفال في شهر المحرم بداية العام الهجري لأنه كان بداية العزم على الهجرة.
سبب الاحتفال بالهجرة في المحرم
وفي هذا الصدد قالت الإفتاء المصرية، إن الهجرة النبوية كانت في شهر ربيع الأول، وأن سبب الاحتفال بها في شهر المحرم، هو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصل إلى المدينة في شهر ربيع الأول، لكن جُعِل شهر المحرم بداية العام الهجري لأنه كان بداية العزم على الهجرة.
واستندت إلى ما يقول الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (7/ 268، ط. دار المعرفة): وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ -أي التأريخ بالهجرة- مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ؛ إِذِ الْبَيْعَةُ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْهِجْرَةِ، فَكَانَ أَوَّلُ هِلَالٍ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْبَيْعَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُبْتَدَأً. وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْمُحَرَّمِ”.
هجرة النبي كانت في ربيع الأول
ومن جانبه أكد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت في شهر ربيع الأول ولم تكن في المُحرم، منوهًا بأن المصريين يحتفلون في شهر المحرم ببداية التقويم الهجري الجديد، ويضمون اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الاحتفالات بقولهم الهجرة النبوية تعظيمًا له لأنه عليه -الصلاة والسلام- هو من قام بالهجرة.
وأوضح الجندي أن أول من أرخ التاريخ الهجري سيدنا عمر بن الخطاب، وجعل هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة في 12 ربيع الأول، مرجعًا لأول سنة فيه، وهذا هو سبب تسميته التقويم الهجري، مشيرا إلى أن التقويم الهجري مركز أساسًا على الميقات القمري الذي أمر الله تعالى في القرآن باتباعه، كما قال تعالى “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” سورة التوبة: 36.
وأضاف أن الأشهر الأربعة الحرم هي أشهر قمرية «رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم»، ولأن الله تعالى نعتها بالدين القيم فقد حرص أئمة المسلمين منذ بداية الأمة أن لا يعملوا إلا به، رغم أن التقويم أنشئ في عهد المسلمين إلاّ أن أسماء الأشهر والتقويم القمري كان تستخدم منذ أيام الجاهلية، أول يوم هذا التقويم الجمعة 1 محرم سنة 1ه.
احتفال المحرم ليس بالهجرة
بدوره، بيّن الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن المسلمين يحتفلون في محرم بالعام الهجري وليس الهجرة، مؤكدًا أن الهجرة النبوية تحولت لمعنى وليس حدثًا، ونحتفل هنا بالمعنى، موضحًا أن الأنبياء هاجروا جميعا قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ونبه مفتي الجمهورية السابق، إلى أن وجود اليمامة التي تبيض وخيوط العنكبوت أمام غار ثور الذى اختبأ فيه سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق –رضى الله عنه- عندما هاجرا من مكة إلى المدينة تعد من الروايات التي لا سند على صحتها في الهجرة النبوية.
لم يكن للمسلمين تقويم
من جانبه، أكد محمد مصيلحي، الباحث والداعية الإسلامي، أنه قبل عهد سيدنا عمر بن الخطاب، لم يكن لدى المسلمين تقويم، فقط كانت لديهم الشهور، وبدأت الفكرة حينما بعث سيدنا أبو هريرة برسالة للفاروق عمر -رضي الله عنهما-، يقول له فيها “حدث في رجب” فرد عليه في أي رجب، هل الماضي أو قبل الماضي، فاختلط الأمر عليهما ومن هنا جاءت فكرة التقويم.
ونوه بأن أولى الأفكار التي جاءت للصحابة أن يبدأ التقويم بتاريخ ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال، إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولد في بيئة مشركة تعبد الأصنام، ولم يكن هناك أحداث خاصة بالمسلمين، فاقترحوا الإسراء والمعراج، أو بداية نزول الوحى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن سيدنا عمر -رضي الله عنه- قال نجعله بهجرة المسلمين، حيث أصبح لهم وطن، وقانون، وحاكم، وأصبحنا نصنع أحداثنا، فاستقروا أن تصبح الهجرة هي بداية التاريخ.
واستكمل: أنه بعد اختيار الهجرة كحدث للتأريخ، لم يكن من الممكن أن يبدأ العام من شهر ربيع، الذي يعتبر الشهر الثالث، فتعداد الشهور وترتيبها كان مؤرخًا بالفعل، ولذلك تمت تسمية العام بالهجري، وعد السنوات منذ الهجرة، واتفقوا أو اجتمعوا بلغة الفقه أن تكون بداية السنة الهجرية في محرم، وخصوصًا أن المسلمين كانوا قد بدأوا الهجرة بالفعل قبل النبي، فالنبي هاجر في ربيع الأول، ولكن هناك مسلمين هاجروا قبله بفترات طويلة.
تسلسل أحداث الهجرة النبوية
-وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة في شهر ربيع الأول، لكن جُعِل شهر المحرم بداية العام الهجري لأنه كان بداية العزم على الهجرة،وأول من جعل بداية التقويم الهجري هو شهر المحرم من سنة الهجرة هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أما الهجرة النبوية فكانت في شهر ربيع الأول على المشهور، وقيل اختار شهر محرم لأنه بعد قدوم الحجاج من الحج.
-تآمرت قريش على قتل المصطفى صلى الله عليه وسلم في مكة، ورغم ذلك لم ينسَ أن يوصي قبل هجرته برد الودائع التي أودعوها عنده.
-أرسل المصطفى بالهدى ودين الحق فكذَّبه قومه وعذَّبوه، لكنه صبر واحتسب على ما تجرَّعه من شدائد؛ إلى أن انقاد له قومه فعفا وأصلح ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
فالله تعالى يعطى الصابرين ما لا يحصى من الثواب.
-هيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته مكانًا يأمنون فيه من عدوان المشركين؛ ليجدوا مكانًا يتيح لهم إقامة الشعائر وخوفًا على حياتهم ومعتقداتهم من الفتنة.
-بات علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليلة الهجرة على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يخشَ من القتل، تضحية بحياته في سبيل الإبقاء على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-هاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم وترك وطنه من أجل رضا الله، فأعز به الإسلام وسخر له الأمم لنصرته.
-الأعداء كانوا أمام الغار، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لصاحبه: “ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟” ما أجمل الثقة بالله في أشد المحن!
-بيَّنتِ الهجرة النبوية ذكاء وبراعة المرأة المسلمة، فعندما لم تجد السيدة أسماء بنت أبي بكر ما تحمل فيه الزاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، شقَّت نطاقها نصفين لتحمله فيه، فلقبت بذات النطاقين تكريمًا لها إلى يوم الدين.
-رغم ما لقي صلى الله عليه وسلم من الأذى من قومه، وقُذِفَ بالحجارة حتى أسالوا دمه الشريف؛ تمنى لهم الهداية.
-حرص المصطفى صلى الله عليه وسلم منذ دخوله المدينة المنورة على ترسيخ مشاعر الحب في الله، بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ لأن الحب أقوى دعائم بناء الأمة.
-أبرم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدات مع اليهود في المدينة؛ لأن المشاركة خير وسيلة لإعمار الأرض.
-لم يكن المصطفى صلى الله عليه وسلم ينتقم لنفسه؛ لذلك عندما عاد إلى مكة عفا عن قومه واستغفر لهم، بعد أن حاربوه وقاتلوه إحدى وعشرين سنة.
-عرضت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم المناصب والأموال ليترك دعوته، فأبى؛ لأنه لم يُرِدْ ملكًا ولا سلطانًا، وإنما هدايةَ القلوب والعقول، فَرِضا الله وجنته أعز وأغلى عنده من كل مناصب الدنيا وجاهها وأموالها.
-كان الصحابة الكرام يحنُّون إلى مكة ويشتاقون إلى العودة إليها رغم ما ذاقوه فيها من العذاب؛ لأن حب الوطن فطرة إنسانية وفريضة دينية، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبِّب الله إليهم المدينة كحبهم لمكة.
-كان دليل المصطفى صلى الله عليه وسلم في هجرته رجلًا غير مسلم هو عبد الله بن أريقط؛ وهذا نموذجٌ عمليٌّ لجواز الاستعانة بغير المسلمين واستعمالهم في دقائق الأعمال.
-لما رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم صاحبه أبا بكر مشفقًا عليه وجزعًا على ما هما فيه، قال له في ثبات وسكينة: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
-نجى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بعد أن أحاط بهما المشركون في «غار ثور»؛ فالله لطيف بعباده المخلصين، يدافع عنهم ويعمي عنهم أبصار المتربصين بهم.
-فور هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، كتب وثيقة لتنظيم العلاقة بين المهاجرين والأنصار واليهود، يؤكد فيها على وحدة الأمة من غير تفرقة، والتساوي بينهم في الحقوق والكرامة.
-فور هجرته صلى الله عليه وسلم للمدينة، حرص على بناء مسجد قباء؛ ليجتمع المسلمون فيه، وتتحد صفوفهم وتتفق كلمتهم، فتظهر قوتهم وتماسكهم.
-الهجرة النبوية أظهرت المعنى الحقيقي للأخوة في الإسلام، في سلوك الأنصار وتكافلهم للمهاجرين بالسُكنى والمال بعدما تركوا أموالهم وأرضهم.
-الأخوة في الإسلام أن تواسي أخاك المسلم وتشاركه السراء والضراء، وتعينه على قضاء حوائجه، كما فعل الأنصار مع المهاجرين في المدينة، فهم أول من أظهروا المعنى الحقيقي للمؤاخاة.
-من أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، فالصحابة رضوان الله عليهم تركوا أرضهم وأموالهم وهاجروا في سبيل رضا الله تعالى ونصرة دينه، فأيدهم الله بنصره، وردهم إلى أرضهم سالمين.
-استمرت دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم لقومه عدة سنوات، حتى آمنوا به وانتشر الإسلام في ربوع الأرض.