“في ستين داهية”.. حكاية مقولة شعبية لها جذور تاريخية
تُستخدم مقولة “في ستين داهية” في العصر الحديث للإشارة إلى اللامبالاة تجاه ما فات أو ضاع، إلا أن أصلها يحمل دلالة أعمق تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، حيث ارتبطت بحادثة مأساوية تعرضت لها قبيلة يمنية، وأطلقها الفارس قيس بن مكشوح المرادي تعبيرًا عن الثأر والرد على الغدر الذي لحق بقومه.
أصل حكاية “في ستين داهية”
وتعود القصة إلى صراع قديم بين قبيلتي “مدحج” و”همدان” في اليمن، حيث كانت الغلبة دائمًا لقبيلة مدحج في الحروب. وللتخلص من هيمنة مدحج، لجأت قبيلة همدان إلى التعاون مع الفرس لوضع خطة للإيقاع بكبار مشايخ مدحج.
وتم استدراج ستون شيخًا من قبيلة مدحج بحجة الحوار والتفاوض دون سلاح، لكنهم وقعوا في كمين محكم نصبته قبيلة همدان بمعاونة الفرس.
وقُتل الشيوخ الستون، وتفرقت القبيلة بعدها، ما أدى إلى نشوب سلسلة من أحداث الثأر بقيادة الفارس قيس بن مكشوح المرادي.
المناسبة التي قيلت فيها الجملة
عندما قرر قيس بن مكشوح أخذ الثأر لقبيلته، قتل عددًا كبيرًا من أبناء قبيلة همدان ردًّا على قتل شيوخ قبيلته.
وعندما عُوتب على كثرة القتلى والدمار الذي تسبب به، أجاب بجملته الشهيرة: “في ستين داهية”، في إشارة إلى أن كل ما جرى كان ثأرًا لستين داهية من شيوخ مدحج الذين راحوا ضحية الغدر.
ولاحقًا، اعتنق قيس الإسلام بعد أن سمع بدعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحسن إسلامه.
وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لمحاربة المرتدين في اليمن، إلا أن جذور ثأره لم تهدأ تجاه قبيلة همدان بسبب خيانتهم السابقة، ما جعله يستمر في السعي لتحقيق العدالة لقبيلته.
وتحمل جملة “في ستين داهية” معاني مرتبطة بالثأر والعدالة، وتجسد حجم المأساة التي وقعت على قبيلة مدحج.
ومع مرور الزمن، تحولت الجملة إلى تعبير شعبي يشير إلى عدم الاكتراث، لكن خلفها حكاية تعكس تاريخًا مليئًا بالمعارك والصراعات القبلية.