حرب روسيا وأوكرانيا تعزز مكانة مصر الاستراتيجية بالمنطقة| مكاسب يجنيها الاقتصاد المصري جراء الأزمة.. زيادة فرص تصدير الغاز المصري لـ أوروبا وقناة السويس بديل آمن للتجارة العالمية
يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية تتجه لمزيد من التصعيد في ظل تمسك الرئيس الروسي بمواصلة تحقيق أهدافه من غزو الأراضي الأوكرانية، وكحال جميع الأزمات والنزاعات الدولية التي تلقي بظلالها على معظم دول العالم، بسبب تشابك المصالح التجارية والسياسية وبين الدول، ولذلك توقع الخبراء منذ اليوم الأول للحرب تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي.
اقرأ أيضًا:
ورغم ذلك فإن الأمر يعتبر مختلف بالنسبة لمصر إلى حد كبير، حيث أنه من المتوقع تأثير النزاع الروسي الغربي على إمدادات الطاقة في أوروبا، ورجح الخبراء قدرة مصر على سد هذا الفراغ، والمساهمة في تحقيق حلم تحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة، بالإضافة لى تأثير النزاعات على حرية التجارة العالمية بسبب احتمالية عرقلة ممر الشمال الروسي فضلا عن احتمالية توقف العمل بموانئ البحر الأسود، وهو ما يعزز قناة السويس كبديل استراتيجي آمن.
تأثير الصراع الروسي الأوكراني على الاقتصاد العالمي والمصري
ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على الاقتصاد العالمي، خاصة وأن العالم لم يتعافى بعد من جائحة كورونا وتداعياته الاقتصادية، وساهمت الحرب في ازدياد حدة موجة التضخم العالمية وما ترتب عليها من ارتفاع السلع الغذائية وغيرها،
ورغم أن هذه الحرب في قلب أوروبا، إلا أن مصر لا تعتبر بمنأى عن تداعياتها، نظرا للتأثيرات الاقتصادية التي قد تشمل جميع اقتصادات العالم، ولكن يتوقف مدى التأثر على درجة جاهزية الدولة للتعاطي مع كافة السيناريوهات المتوقعة.
ولعل أهم تداعيات تلك الأزمة على الاقتصاد المصري، هي كون مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وكونها مستوردًا للنفط، واعتماد القطاع السياحي في مصر على السياحة الواردة من روسيا وأوكرانيا، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذه الأزمة يمكن أن تحمل أيضا جوانب إيجابية قد تستفيد منها الدولة المصرية بشكل كبير.
مخاطر محتملة على الاقتصاد المصري
تناول تقرير التحليلي أعده المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية (دراية)، تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والمخاطر المحتملة على الاقتصاد المصري، وما إذا كانت هناك جوانب إيجابية للأزمة، إلى جانب ما تقوم به الحكومة المصرية لمواجهة تلك التداعيات وتجاوز آثارها السلبية.
المصالح الاقتصادية المصرية الروسية
فرضت عدد من الدول الغربية عقوبات اقتصادية على روسيا، ولا شك أنها ستضر جميع الدول التي تدخل في شراكات اقتصادية مع معها ومن بينها مصر، حيث تضمنت العقوبات إبعاد روسيا عن نظام “سويفت”، الذي يسمح بتحويل الأموال بشكل سهل بين الدول المختلفة، وتجميد أصول البنك المركزي ووضع مؤسسات في القائمة السوداء، مما يعيق إجراء الدول لمعاملات مع روسيا.
وبلا شك ستتضرر مصر جراء فرض هذه العقوبات على روسيا، حيث إن مصر تُمثل الشريك التجاري الأول لروسيا في أفريقيا بنسبة تعادل 83% من حجم التجارة بين روسيا وأفريقيا، كما تحصل مصر على نسبة 33% من حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام 2021 نحو 3 مليارات دولار، ولذلك فمن المتوقع أن يتأثر الاتفاق بين البنك المركزي المصري ونظيره الروسي المعني بمشاركة البنوك الكبرى من البلدين خلال عام 2021 لتفعيل قبول بطاقات الدفع الروسية والمصرية ليصبح استخدامهما متاحاً بالبلدين، فضلاً عن دراسة ربط البنوك المصرية بالشبكة المالية الروسية بهدف تسهيل تنفيذ المعاملات المالية.
كما تعمل في مصر نحو 467 شركة روسية في مجالات مختلفة مثل البترول والغاز بحجم استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، وتُوفر قرابة 35 ألف فرصة عمل.
تأثير الحرب في أوكرانيا على السياحة المصرية
تسببت حرب روسيا وأوكرانيا في إغلاق المجال الجوي الأوكراني وفرض حظر طيران في الأجواء الروسية، وهو ما يؤدي إلى إلغاء مئات الحجوزات الوافدة لمصر من أوكرانيا أو روسيا، حيث شهد فبراير الماضي انخفاض عدد الرحلات السياحية الأوكرانية إلى جنوب سيناء إلى نحو 188 طائرة مقارنة بنحو 264 طائرة في يناير 2022، وشهد أيضا عدد الرحلات السياحة الروسية انخفاضا من 436 طائرة في شهر يناير إلى 225 طائرة في شهر فبراير، وتمثل السياحة الروسية والأوكرانية ما بين 60 و65% من حجم الأسواق الوافدة إلى مصر، في الفترة الأخيرة.
مكاسب محتملة لمصر من الحرب الروسية الأوكرانية
رغم التحديات التي يفرضها استمرار الحرب في منطقة البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا، يمكن رصد بعض الجوانب الإيجابية للأزمة على الاقتصاد المصري يمكن الاستفادة منها لدعم الاقتصاد الوطني والحد من الآثار السلبية للأزمة ونستعرض منها الآتي:
ارتفاع تاريخي لعائدات قناة السويس
من المحتمل في ظل التوترات القائمة على الحدود بين روسيا وأوكرانيا، عرقلة ممر الشمال الروسي فضلا عن احتمالية توقف العمل بموانئ البحر الأسود، فإن هذا الأمر قد يُعزز الميزة التنافسية لقناة السويس باعتبارها الممر الملاحي الأكثر أمنا والأقل مسافة بين جميع طرق الملاحة الدولية.
وقد حققت قناة السويس أعلى إيرادات سنوية في تاريخها العام الماضي، حيث تجاوزت الإيرادات 6.3 مليار دولار عام 2021 مقارنة بـ 5.6 مليار دولار عام 2020، بزيادة قدرها 720 مليار دولار.
كما حققت أكبر حمولة إجمالية بلغت 1.27 مليار طن عام 2021، ويمكن أن يؤدى المزيد من ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة إيرادات قناة السويس وتعويض جزء من العجز في الاحتياطي النقدي الذي قد يتأثر بزيادة أسعار النفط بسب الحرب الجارية.
تعزيز موقع مصر كمركز إقليمي للطاقة
استطاعت الدولة المصرية، أن تكون شريكا أساسيا واستراتيجيا للقارة الأوروبية من خلال استعداد مصر لبيع نحو 25% من الفائض عن الاحتياطي الاستراتيجي من الكهرباء من إجمالي الإنتاج المصري، وذلك من خلال اتفاقيات مع اليونان وقبرص كجزء من مشروع “يورو أفريكا”، الذي يربط بين شبكات الكهرباء في مصر والدولتين الأوربيتين، عن طريق مد كابل بحري بين مصر وقبرص بطول 498 كيلومترًا (309 ميلًا)، وعمق 3000 متر (9800 قدم) ثم توصيل قبرص بجزيرة كريت اليونانية بكابل يبلغ طوله 898 كيلومترًا (558 ميلًا)، بإجمالي طول 1396 كيلومترًا (867 ميلًا)، لتنطلق منه كهرباء بقدرة 2000 ميجاوات لأوروبا، ويمكن تزويدها إلى 3000 ميجاوات ، باستثمار بلغ 4 مليارات دولار، لتنطلق منه كهرباء بقدرة 2000 ميجاوات لأوروبا، ويمكن زيادتها إلى 3000 ميجاوات.
زيادة فرص تصدير الغاز المصري
بعد فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، تتصاعد الأصوات المنادية بضرورة إيجاد بديل للغاز الروسي في أوروبا، مما قد يتيح فرصة جيدة للغاز المصري أن يحصل على حصة أكبر من واردات أوروبا، ويرتفع الإقبال على الغاز المصري لتعويض أي نقص محتمل في إمداد الغاز الروسي لأوروبا حال تزايد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا.
وبلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3.9 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة نمو 550%، وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية العام الماضي، بحسب بيانات رسمية.
إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي على مستوى العالم بنسبة 5.9% ليصل إلى 4.90 دولار لكل مليون وحدة، يُعد مؤشرا إيجابيا يسمح للدولة المصرية بزيادة صادراتها من الغاز والتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار البترول وتخفيف الضغط على الموازنة العامة.
جهود الحكومة للتخفيف من أثر الأزمة على مصر
-أمرت بضخ أكثر من 50 مليار جنيه لتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع ورفع سعة الصوامع التخزينية من 2 مليون طن قمح إلى أكثر من 4 ملايين طن خلال السنوات القلية الماضية.
-وضعت خطة لاستيراد القمح من 14 دولة أخرى معتمدة من جانب وزارة التموين لتنويع واردات القمح حال تصاعد الأزمة واتساع نطاق الحرب.
-رفع أسعار شراء القمح من المزارعين محليا بنسبة 15% لتشجيعهم على الزراعة، هذا بالإضافة إلى وجود مخزون استراتيجي من القمح يكفي 5 أشهر، إلى جانب الإنتاج المحلي الذي سيبدأ من منتصف إبريل ليزيد المخزون الاستراتيجي إلى 9 أشهر.
-التوسع الأفقي بزيادة المساحات المنزرعة بالقمح ضمن المشروعات القومية، وهو ما تنفق عليه الدولة مليارات الدولارات، حيث ارتفع إجمالي المساحة المزروعة بالقمح من 3.1 مليون فدان في 2018 /2019 إلى نحو 3.6 مليون فدان حاليا، مع توقعات بأن يبلغ إجمالي الإنتاج نحو 10 ملايين طن للعام الحالي، والانتهاء من نظام مخازن الحبوب الداخلية ورفع سعة التخزين في البلاد من 1.2 مليون طن إلى 3.4 مليون طن سنويا.
– تأمين باقى السلع الاستراتيجية، فهناك احتياطي استراتيجي من السكر يكفى لمدة 4.5 شهر، ومن الزيت لمدة 5.5 شهر، والأرز 6.5 شهر، والفول 3 أشهر، واللحوم والدواجن 8.5 شهر.
أبو بكر الديب: مصر تحركت سريعا في ملف توفير الحبوب
وفي هذا السياق قال الدكتور أبو بكر الديب الباحث في العلاقات الدولية والإقتصاد السياسي، إنه مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، صدم الإقتصاد العالمي، وارتفعت أسعار السلع بشكل حاد في الأسواق العالمية، وحدث شح الحبوب في الدول العربية وشمال أفريقيا، وارتفاع أسعارها بالتالي فدولة مثل لبنان يستورد 50 % من احتياجاته من القمح من أوكرانيا.
وأشار إلى أنه في هذا الإطار تحركت الحكومة المصرية سريعا لبحث استيراد القمح من 14 دولة أخرى لتنويع واردات القمح حال تصاعد الأزمة، فضلا عن وجود مخزون استراتيجي من القمح يكفي 5 أشهر، إلى جانب الإنتاج المحلي الذي سيبدأ من منتصف أبريل ليزيد المخزون الاستراتيجي إلى 9 أشهر.
الديب: الغاز المصري أفضل البدائل للغاز الروسي
وفي حال توقف الغاز الروسي عن أوروبا بسب أزمة أوكرانيا يري أبوبكر الديب أنه سيكون أمام أوروبا البحث عن بديل ومن أهم هذه البدائل الغاز المصري والليبي والجزائري والفكري وربما الامريكي وسوف يساعد في ذلك سعي مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة وبالتالي يمكن أن يلعب الغاز المصري دوراً مهما في تأمين جانب من احتياجات دول أوروبا من الطاقة، من خلال تصدير الغاز الفائض من خلال محطتي إسالة الغاز بمصر على ساحل البحر المتوسط، استكمالا لدور مصر المحوري في المنطقة لتعزيز التعاون الإقليمي ومواصلة الارتقاء بالشراكات الاستراتيجية.. وحسب تصريحات وزارة البترول شهدت الثلاث سنوات الماضية تطورا كبيرا في إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط بدءا بطرح مصر للفكرة وانتهاء بتأسيسه كمنظمة دولية في منطقة شرق المتوسط، ومقرها القاهرة
وقال إن مصر أصبحت قبلة ورمانة الميزان في الصناعات البترولية حيث بلغت صادرات قطاع البترول إلى 13 مليار دولار العام الماضي كما شهدت مصر نهضة تنموية كبرى عبر تنفيذ مشروعات عملاقة ومن هذا المنطلق استضافت مصر هذا المعرض الذي يعد أكبر وأهم تجمع دولى وإقليمى لصناعة البترول والغاز فى منطقتى شمال إفريقيا والبحر المتوسط.
وتمثل أزمة نقص إمدادات الطاقة لأوروبا “فرصة لوضع مصر على خريطة الطاقة الأوروبية وتأمين جانب من إمدادات الغاز الروسي وتمتلك مصر الإمكانات اللازمة لتصبح أحد البدائل بالنسبة للطاقة في أوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية في ضوء الدور الهام والحيوي الذي تلعبه بمنتدى غاز شرق المتوسط.
موضوعات ذات صلة: