مقالات

محمد الغريب يكتب: اعرف الصح.. حلم الريادة الإفتائية ولكن!

لست بمستغرب أن تظل أحلام الريادة والتميز عُرفاً سائداً في دار الإفتاء، وأن يكون منهج علمائها إحداث طفرة تلو الأخرى في سبيل تحقيق الغاية المُثلي والرؤية الواضحة لمفهوم النوازل الفقهية وقبول الشريعة الإسلامية الخاتمة لكل ما هو معاصر وإعلائها شأن الإنسان كمخلوق اصطفاه الله بين الخلائق أجمعين.

وإن كان العصيان والنسيان والفساد والإفساد يغلب بعض طباعه، إلا أن تلك الحكمة الإلهية اقتضت إكرامه وتذليل العوالم والمخلوقات تعظيماً وإكراماً لهذا المخلوق. وبالعودة لمجهودات الدار المصرية العريقة التي تعاقب على قيادتها 20 مفتياً، وتحل ذكرى إنشائها السادسة والعشرون بعد المائة في الثاني عشر من الشهر الجاري، وتولاها من أعلام الفكر الوسطي الأزهري ممن كانوا بعد ذلك شيوخاً لتلك المؤسسة الإسلامية العريقة – الأزهر الشريف- الضاربة بجذورها في عمق التاريخ الإسلامي ليحفظ لها ما يقرب القرن الحادي عشر من العلو والإزدهار، نجد أن النجاحات المتتالية قد توجت بمرجعية فتوى على مستوى الاتحاد الأوروبي ومن بعدها قيادة مؤسسة عالمية للفتوى ومظلة هي فكر مصري خالص – دور وهيئات الإفتاء حول العالم-، وصولاً للقرار الجمهوري الصادر مؤخراً بجعلها ذات طبيعة خاصة تقديراً لجهود لا ينكرها إلا جاحد ولا يخطئها إلا فاقد البصر والبصيرة.

 

ومع رواج حملة “اعرف الصح” التي لا زالت مشروعاً ضمن مشروعات الدار للانتشار على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة ضمن حلقة في مشروع تجديد الخطاب الديني والوصول بالفتوى المعتدلة الصحيحة إلى آخر فرد في العالم ومحاصرة كل من هو فكر إرهابي أو مفهوم مغلوط تسبب في الجهل بسعة التشريع الإسلامي وقبوله بكل ما هو أفضل للإنسان دون النظر إلى معتقده، ومع تحقيق الدار لطفرة في عالم الفضاء الإلكتروني “السوشيال” بملايين المتابعات التي لا تقتصر على مسلم يبحث عن ضالته في فتوى أو مسلمة تريد أن تعرف حقوقها التي منحها الله تعالى ونبيه لها دون تشويه أو انتقاص أو احتقار ساد لسنوات متعاقبة، كانت متابعة غير المسلمين دليل على أن المسار الذي تسلكه الدار نجح في الوصول لمواجهة فكرية ودينية بأسس صحيحة تدفعنا لأن نشيد ونفخر بالدار ورجالها وفي مقدمة منهم فضيلة العالم الجليل الدكتور شوقي علام، ومستشاريه، ودينامو سوشيال ميديا الإفتاء الدكتور أحمد رجب. “اعرف الصح”.. التي انطلقت مطلع الشهر الماضي ولاقت من الرواج على صفحات التواصل الاجتماعي بـ 4 أهداف من بينها تصحيح المفاهيم، الرد على الفتاوى الشاذة، إلا أنه ومنذ انطلاقتها وددت لو سلكت طريقاً مهماً في التفاعل مع القضايا المجتمعية لخطورة ما نمر به من علاقات طغى عليها سفك الدماء في كافة ملامحها، وانتظرت لو كان لتلك الحملة بيانها الخاص فيما يتعلق بجرم القاتل وفداحة التمثيل بالمقتول وخطيئة المجتمع الذي بات ينظر إلى الأمر نظرة اللا مبالاة حتى كدت أجد في القتل وسفك الدماء عُرفاً سيسود على الأجيال القادمة دون أن يجد مقاومة من أحد، أعي أن الأمر ليس كله على عاتق دار الإفتاء لكنه طموح مشروع فرضته الدار علينا وجعلتنا نتوقع منهم المبادرة في كافة المجالات قولاً ونصحاً وتفاعلاً.

 

وختاماً: كنت ولا زلت من أكثر المتفائلين بأن الدار لن تقف عند حدود الريادة في الصعيدين المصري والعربي وحتى العالمي، لكني أخشى من أن تسيطر فتاوى التصوف وما ينبثق منه على كافة أعمال الدار ليجعلها البعض لسان فئة أو طائفة فليس التصوف إلا مسلكاً روحياً عليه عموم المصريين يقدمون عليه بقلوبهم لا يحتاجون فيه إلى من يدفع شبهات المتشددين الذين وصل بهم الأمر لتحريم وتجريم الاحتفاء بسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، ولسنا بحاجة إلى أن تكون الإفتاء رد فعل على القضايا المطروحة بل أن تبادر لتبني قضية كاملة على غرار العنف الدائر في المجتمع أو تبني نظرة مختلفة لتكوين الأسر في مصر ولا أقلل في هذا من دور دورات التأهيل أو غيرها لكن بيان خطر الفكر السائد وتبريره كعرف حتى وإن خالف صحيح الدين في كثير من جوانبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى