تنبع متانة العلاقات المصرية العراقية من العلاقة بين الحضارتين المصرية القديمة و بلاد الرافدين بالعراق، حيث ظهر التبادل بين الحضارتين من خلال تأثر حضارة بلاد الرافدين بنظام الهرم المدرج في بناء معابدها، وأخذ الحضارة المصرية نظام الأختام، و فن رسم الحيوانات المجنحة من حضارة بلاد الرافدين، ولم تكن العلاقات تسير على وتيرة واحدة، فكانت هناك فترات صراع، أبرزها استيلاء الآشوريين على مصر إلى أن طردهم الملك إبسماتيك.
العلاقات السياسية
بعد حصول كلا البلدين على استقلالهما من بريطانيا، أقيمت بينهما العلاقات الدبلوماسية، وكانا من المؤسسين لجامعة الدول العربية، ثم عقدا العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مثل السوق العربية المشتركة، والاتفاقيات العسكرية مثل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ومشروع الوحدة الثلاثية.
وكان للعراق دور فعال في دعم مصر في حرب ١٩٧٣، سواء بالقوات أو المال، حيث وضعت العراق ٧ مليون إسترليني في حساب باسم الحكومة المصرية في لندن لشراء ما تحتاجه من معدات.
وتوترت العلاقات بين البلدين خلال فترات معينة، مثل القطيعة التي حدثت بين العراق وعدداً من الدول العربية تجاه مصر عقب اتفاقية السلام مع إسرائيل ١٩٧٨، لتعود العلاقات إلى دفئها خلال دعم مصر مادياً و دبلوماسياً للعراق في حربها ضد إيران.
ونجحت العراق في قيادة عربية لاستعادة مصر عضويتها في الجامعة العربية ١٩٨٤،إلا أن العلاقات توقفت بعد حرب الكويت ١٩٩٠،لتنضم مصر لتحالف الأمم المتحدة لإخراج العراق من الكويت.
في ٢٠٠٥ نتيجة الانفلات الأمني بعد الغزو الأمريكي للعراق ٢٠٠٣، تم اختطاف السفير المصري في العراق، وقتله من قبل مسلحين مجهولين، ما انعكس سلباً على العلاقات بين البلدين.
في ٢٠١٠ افتتحت مصر قنصليتين في أربيل و البصرة، ليكون أول تمثيل لدولة عربية خارج العاصمة بغداد.
شهدت الفترة الأخيرة انفتاحا مصريا واضحا لإقامة علاقات وتوقيع مذكرات واتفاقيات في شتى المجالات مع العراق.
ففي يناير ٢٠١٥ التقى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الرئيس السيسي في زيارة رسمية لمصر، ناقشا خلالها العلاقات السياسية والعسكرية بين البلدين.
ونظراً لما يمر به العراق من أزمات، أرسلت مصر في ١١ يونيه ٢٠١٧ شحنة مساعدات ومستلزمات طبية للشعب العراقي، وفي إطار جائحة كورونا أرسلت مصر في ٥ سبتمبر ٢٠٢٠ كمية كبيرة من المساعدات الطبية
في ٢٧ يونيو ٢٠٢١، عقدت قمة ثلاثية في بغداد، حيث استضاف رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، و الرئيس عبد الفتاح السيسي، لبحث سبل التعاون والتنسيق والتكامل الاستراتيجي بين البلدان الثلاثة.
وأثمرت القمة عن مشروع ” الشام الجديد”، والذي يستهدف حصول مصر والأردن على النفط العراقي بأسعار منخفضة عن طريق إنشاء خط نفط عراقي من البصرة إلى ميناء العقبة بالأردن ثم إلى مصر عن طريق البحر الأحمر.
علاقات اقتصادية متعددة
تتميز العلاقات بين البلدين بتعدد مجالاتها وإمكانية تطويرها، نظراً لتنوع اقتصاد البلدين.
ينظم اقتصاد البلدين عدد من الاتفاقيات و البروتوكولات، منها البروتوكول التنفيذي لإقامة منطقة التجارة الحرة بين البلدين الموقع في ١٨ يناير ٢٠٠١،والذي يقضي بتحرير كافة السلع المتبادلة ذات المنشأ الوطني في كلا البلدين من القيود الجمركية وغير الجمركية.
ارتفع التبادل التجاري بين البلدين من ٨٠٠ مليون دولار عام ٢٠١٥ إلى ١.٦٥٠ مليار دولار عام ٢٠١٨، وهو أكبر رقم للتبادل التجاري منذ ٢٠٠٣.
الميزان التجاري بين العراق ومصر يميل لصالح الجانب المصري، فبلغ حجم التجارة بينهما خلال ٢٠١٩ حوالي ٤٨٦ مليون دولار، منها ٤٧٩ مليون دولار صادرات مصرية، و ٧ مليون دولار واردات من العراق، ومن صادرات مصر للعراق ( الأثاث – غزل القطن – حاصلات زراعية – زيوت و دهون نباتية وحيوانية وغيرها).
في الفترة من سبتمبر ٢٠١٨ إلى يونيو ٢٠١٩ استوردت العراق ٣٪ من إجمالي الصادرات الزراعية المصرية بما قيمته ٦٩ مليون دولار.
طبقاً لبيانات التجارة الخارجية لمصر الصادرة عن جهاز الإحصاء، تراجعت واردات مصر من العراق خلال شهري يناير وفبراير ٢٠١٩ – والتي سجلت ٣٢.٦ مليون دولار – عن الأشهر المماثلة من ٢٠١٨ – والتي بغلت ٣٤٢.٩ مليون دولار -.
بعد قرار شركة أرامكو السعودية بوقف الإمدادات النفطية عن مصر في أكتوبر ٢٠١٦، اتجهت مصر للعراق لحل أزمة النفط، ليستقبل رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري وزير البترول المصري طارق الملا والوفد المرافق له، وشدد ” الملا” على أهمية تفعيل التعاون المشترك والعمل الثنائي من خلال تأسيس شركات استثمارية مشتركة بين الطرفين.
وفي يناير ٢٠١٧ أعلن سفير العراق بالقاهرة عن مد مصر بمليون برميل شهريا بشروط ميسرة.
شهدت الفترة الحالية تطورا كبيرا في العلاقات بين البلدين، حيث بدأت مصر والأردن والعراق اتخاذ إجراءات تنفيذية لزيادة معدلات التجارة والاستثمار بعد القمة الرئاسية الثلاثية التي عقدت بالقاهرة مارس ٢٠١٩، حيث اتفق وزراء التجارة والصناعة للدول الثلاث على وضع خطط وآليات جديدة لتنشيط التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري.
في زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولى ٣١ أكتوبر ٢٠٢٠ للعراق، وقع البلدين ١٥ مذكرة تفاهم في مجالات التخطيط والبورصة والاستثمار والنقل البحري وغيرها، كما توصل الطرفان لتوافق مبدئي حول إنشاء آلية ” النفط مقابل الإعمار”، وأوضح مدبولى أن الآلية يجري عملها من خلال قيام الشركات المصرية بتنفيذ مشروعات تنموية بالعراق، مقابل كميات النفط التي ستستوردها مصر من العراق.
لتأتي زيارة السيسي الأخيرة أغسطس الجاري للعراق، للمشاركة في ” مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة ” لتؤكد حرص مصر على إقامة دعم عودة العراق لدوره الفاعل على المستوى الإقليمي وضمان أمنه واستقراره، وإقامة تعاون وتكامل اقتصادي بين العراق ودول الجوار والدول الصديقة.