مقالات

أحمد خضر يكتب: صديقي مسحور

الصداقة من أسمى وأنبل المشاعر، بل لا أبالغ إن قلت إنها كالأكسچين لكي نستطيع أن نعيش، فالحياة بلا صديق ليست بحياة.

عاد صديقي من السفر متعبًا؛ فذهبت إليه وكنت لم أره منذ سنوات، فوجدت ملامحه تغيرت وازداد وزنه بشكل ملحوظ، ودب الشعر الأبيض في راسه، وابتسامته التي كانت لا تفارق وجهه قد اختفت.

حاولت أن أخفي دهشتي وقلقي عليه قدر المستطاع، وسألته ماذا بك يا صديقي، لقد أقلقني صوتك في الهاتف بالرغم أنني أراك على ما يرام والحمد لله.

أخبرني أنه متعب نفسيًا وجسديًا وأنه ذهب إلى الأطباء، وأجرى جميع الفحوصات وقد أخبروه أنه لا يعاني علة أو داء، وأنه منذ أكثر من عشر سنوات تائه في دائرة من الفشل والاحباط والأحزان ولا يستطع أن يخرج منها.

أشار عليه البعض بالذهاب إلى راق شرعي، وبالفعل ذهبنا الى أحد أئمة المساجد، وطلبنا منه أن يرقيه.

شرع الشيخ في تلاوة القرآن الكريم، وما هي إلا دقائق قليلة وقد سقط مغشيًا عليه، قفز قلبي من بين أضلعي خوفًا عليه؛ لكن الراق نضح في وجهه الماء فبدأ أن يستعيد وعيه، ثم يكمل الشيخ القراءة مرة أخرى فيغشى عليه ثم يعود إلى وعيه مرة أخرى، وهكذا لمدة تجاوزت الساعة.

سأله الشيخ هل رأيت يا بني شيئا كالحلم وأنت فاقد الوعي، صمت وقد بدأت عينيه تلمع، يحاول أن يمنع البكاء ولكن غلبته الدموع.

كرر الشيخ سؤاله، هل رأيت من أذاك؟ هل رأيت من سحرك؟

لم يتكلم صديقي وما زالت دموعه تفيض من عينيه.

سألت الشيخ ما به يا مولانا، قال لي: ” صديقك مسحور يا بني، ويحتاج لعدة جلسات يستمع فيها الى الرقيه”.. كيف هذا يا شيخنا وهو شاب ملتزم يصلي ويقرأ القرآن، فأجابني الشيخ: “رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سحر فهل هو أفضل منه”.

خرجت مع صديقي وكان متعبا منهكًا، وقد قفز به الحزن لعقود فوق عمره، قلت له أنك رأيت شيئا ولم تخبر الشيخ، قال نعم.

أجهش بالبكاء وأخبرني أنه رأى والدة صديقه فلان، قولت له هون عليك أنه الشيطان يريد أن ينزغ بينكم العداوة، أجابني لا فقد كانت أحلامي دائما تشير إلى ذلك.

استمر في الحديث وكل حرف يخرج منه بمرارة وألم، أخبرني أن صديقه على علم بذلك، لأنه في آخر مقابلة معه كان ينظر إليه ويبكي ويسأله ماذا بك ؟، يرد “لا شيء، اعتن بنفسك جيدًا”، وأنه توقف عن السؤال عنه بعد أن كانت حياتهما كلها معًا، وأن أكثر ما يؤلمه هو فراق صديقه أكثر من أي شيء آخر.

يتكلم عن صديقه فيقول “تربينا معا، كبرنا معا، حتى أحلامنا تقاسمناها سويًا، ليس لنا ذنب فيما حدث لكن ما الحياة إلا فراق في فراق”.

بغض النظر من فعل هذا بصديقي، كيف للإنسان أن يفعل هذا بأخيه الإنسان؟ ما الذي سيقوله حين يقف مسئولا بين يدي الله تعالى.

إن تساقط لحم وجهه خجلا لن يكفيه، كيف له أن يضع رأسه على وسادته وينام، أن يحطم شابًا مثل هذا ويقذف به وأحلامه إلى هذا المستنقع الذي لا يعرف كيف و متى يخرج منه، قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة.

نعوذ ونستعيد بالله من شياطين الإنس قبل استعاذتنا من شياطين الجن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى