الزيادة السكانية واحدة من أهم المشكلات التي تواجه الحكومات المتعاقية في مصر على مدار العقود الماضية، خصوصا حينما يزداد عدد أفراد المتر المربع مقابل نقصان الموارد، ما دفع الحكومات وفي مقدمتها وزارات الصحة لتبني برامج للتوعية بمخاطر تلك المشكلة، والعمل على الحد منها، بأساليب توعوية مختلفة.
مبادرة “أيامنا أحلى” هي آخر تلك الجهود، التي أعلنتها وزيرة الصحة والسكان الدكتورة هالة زايد، عبر إطلاق قوافل لتنظيم الأسرة بـ 4محافظات، خلال الفترة من 8 إلى 24 من شهر يونيو الجاري، بهدف توفير خدمات ووسائل تنظيم الأسرة بالمجان للمنتفعات بالقرى والمناطق الأكثر احتياجًا، ضمن خطة الوزارة للحد من الزيادة السكانية.
وأشار الدكتور خالد مجاهد، مساعد وزيرة الصحة والسكان للإعلام والتوعية والمتحدث الرسمي للوزارة، إلى إطلاق 7 قوافل لتنظيم الأسرة تجوب 21 قرية بمحافظات المنيا، القليوبية، أسيوط، الفيوم، مشيراً إلى أن تلك القوافل تقدم خدمات ووسائل تنظيم الأسرة من خلال مجموعة من أخصائيين النساء والتوليد المدربين، لإجراء الكشف الطبي وصرف وسائل تنظيم الأسرة بالمجان للمنتفعات من المبادرة، من خلال الوحدات الثابتة والمتنقلة والمراكز الحضرية والمستشفيات العامة والمركزية ومراكز رعاية الأمومة والطفولة، وذلك ضمن مشروع برنامج دعم خدمات الصحة الإنجابية المتكاملة بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي وصندوق الأمم المتحدة للسكان.
وفي سياقٍ متصل، لفت مجاهد إلى إطلاق حملة تنشيطية لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، على مستوى 9 محافظات ” القاهرة، الجيزة، الشرقية، الغربية، البحيرة، سوهاج، كفر الشيخ، السويس، أسوان”، على مرحلتين، حيث تنطلق الأولى من يوم 13 إلى يوم 17 من يونيو الجاري، بينما تنطلق الثانية في الفترة من يوم 20 وحتى يوم 24 من الشهر ذاته، بهدف المتابعة والتأكد من تقديم الخدمة للمستهدفين خاصةً في المناطق النائية من خلال الوحدات الثابتة والعيادات المتنقلة.
وسائل آمنة وفعالة
الدكتور حسام عباس، رئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة بالوزارة، طمأن المصريين بتوفير كافة الوسائل الآمنة والفعالة لتنظيم الأسرة بجميع الإدارات من خلال الوحدات الثابتة والعيادات المتنقلة، مشيراً إلى استهداف القرى الأكثر احتياجاً.
وأكد “عباس” على استمرار إقامة معارض في نوادي المرأة التابعة للحملة، والتي يتم من خلالها عرض المشغولات اليدوية ومصنوعات الجلود وأعمال الخياطة والتريكو التي تقوم المنتفعات بإنتاجها بعد تدريبهن من خلال مسئولات نوادي المرأة، وذلك إيماناً بدعم تنمية المرأة المصرية ورفع المستوى الاقتصادي للأسر المصرية ورفع قدرة المرأة على اتخاذ القرارات خاصةً قرار الإنجاب.
المشكلة منذ الثمانينيات
مع منتصف الثمانينيات حتى عام 1996، أطلقت مصر أكبر حملة إعلامية بالمشاركة مع الوزارات والجهات المعنية بالأمر فى مواجهة الزيادة السكانية، وكان أيقونة هذه الحملة إعلان غنائى شهير مازال الكثيرون يتذكرونه ويرددونه للفنانة فاطمة عيد “حسنين ومحمدين”.
شارك فى الحملة كثير من الفنانين والشخصيات العامة، وحسب الأرقام وخبراء السكان فالحملات رغم بساطتها وسخرية البعض منها وقتها، إلا أنها حققت نتائج إيجابية على مستوى معدلات النمو السكانى وانخفاض المواليد وخاصة فى الشريحة الاجتماعية الوسطى.
التجربة المصرية أو تجربة “حسنين ومحمدين” حققت النجاح المنشود وباعتراف المنظمة الدولية التى قررت عقد مؤتمرها الدولى للسكان فى القاهرة فى عام 1994، إقرارا منها بنجاح التجربة المصرية فى مواجهة الزيادة السكانية .
خلال العشرين عاما الأخيرة
منذ عام 2000 وحتى 2020 زاد عدد سكان مصر 35 مليون نسمة، فى حين لم تقابلها زيادة فى الموارد، لذلك تعتبر مصر فى التصنيف الدولى من الدول ذات المعدلات السكانية المرتفعة.
وذكر الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، فى الندوة التثقيفية 32 للقوات المسلحة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، أن عدد سكان مصر تضاعف حتى وصل فى عام 1977 لأن يتساوى عدد المواليد مع عدد المواليد فى إيطاليا وفرنسا، وفى عام 2012 أصبح عدد المواليد بمصر يساوى عدد مواليد 6 دول أوروبية، وهو لا يتناسب مع نسبة الموازنة العامة وليس بقوة اقتصاد ست دولة أوروبية.
مجلس أعلى لتنظيم الأسرة
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أول من تحدث عن مشكلة الزيادة السكانية فى خطاب الذكرى الـ 14 لثورة يوليو 1952 عام 1966، وقال إن الزيادة السكانية أصبحت قضية ملحة، وكان عدد سكان مصر وقتها 30 مليون نسمة، ووقتها، قرر عبد الناصر إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة.
خلال عهد الرئيس أنور السادات، حاولت الدولة مواجهة مشكلة التكدس والزيادة السكانية بالتوسع فى المدن الجديدة مثل مدينة السادات إلا أن هذا الحل لم يحقق المراد منه بشكل كامل، رغم أن الزيادة السنوية لم تزد على 600 إلى 700 ألف نسمة سنويا، لكن السادات نبه لخطورة الزيادة وتوابعها الاقتصادية والاجتماعية، ووصل تعداد سكان مصر عام 1976 إلى 37 مليون نسمة.
مبارك والانفجار السكاني
الرئيس الأسبق حسني مبارك كان يعتبر ظاهرة ” الانفجار السكانى” سببا رئيسيا فى تدنى المستوى الاقتصادى للأسرة المصرية. وكان دائم السخرية من زيادة عدد أفراد الأسرة وله تعبيرات خاصة به فى خطاباته.
الدولة خلال عهد مبارك، اعتمدت استراتيجية عاجلة لمواجهه الزيادة السكانية وحشدت الإعلام ورجال الدين والدعاة والكتاب والمثقفين والفنانين والدعوة لعقد مؤتمرات قومية للسكان، لبحث القضية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، وعقدت المؤتمر القومى الأول للسكان عام 1984، لوضع سياسات وآليات لمعالجة المشكلة السكانية، أسفرت عن تأسيس المجلس القومى للسكان، وإقرار سياسة قومية للسكان عام 1986 وشارك الإعلام بحملة “حسنين ومحمدين”، التى انتهت بإطلاق استراتيجية قومية متعددة المحاور عام 2002.
ورغم عقد مؤتمر السكان والتنمية 1994، الذى أجمع العالم على خطة العمل التى أسفر عنها، إلا أن البرنامج المصرى ظل وحتى 1996 قاصرًا على الطرق التقليدية لخدمات تنظيم الأسرة، دون المحاولة إلى تنفيذ باقى توصيات المؤتمر والتى تعنى الدخول فى حل مشكلات السكان عن طريق خدمات الصحة الإنجابية، وتقوية دور المرأة فى المجتمع والتركيز على برامج الشباب والمشاركة بطريقة فعالة فى برامج التنمية.
خطوات جادة
راجعت وزارة الصحة والسكان فى بداية الألفية الثالثة وثيقة السياسة القومية للسكان التى صدرت عام 1986، وحدثتها لتتلاءم مع متطلبات المرحلة المقبلة، بإضافة هدف رابع للسياسة القومية للسكان والخاص بتقليل التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بين السكان فى المناطق المختلفة، وتبني استراتيجيات متعددة غير تقليدية من أجل تحقيق الهدف القومي، ألا وهو خفض معدلات المواليد، مع إعطاء الأولوية لمحدودى الدخل وغير القادرين.
بلغ عدد السكان داخل مصر فى أول يناير عام 2004 نحو 68.6 مليون نسمة، ثم بلغ عام 2006 حوالى 72 مليون نسمة. و78.7 مليون نسمة عام 2008 بزيادة 15 مليون نسمة عن تعداد 1996 الذى كان 59.3 مليون نسمة.
كما وضعت وزارة الصحة والسكان الخطة الاستراتيجية القومية للسكان في الفترة من 2002 – 2010، التى تعمل على تحقيق أهداف السياسة السكانية، بمشاركة جميع الوزارات والجهات المعنية والتى سبق لها أن شاركت فى تحديث هذه السياسة السكانية.
إضافة إلى إعداد حملات إعلانية أذاعها التليفزيون المصري، لعبت دورا فعالا منها: “وقفة مصرية – برنامج الرائدات الريفيات، الراجل مش بس بكلمته.. الراجل برعايته لبيته وأسرته – حسنين ومحمدين – البيت الرايق ما حدش متضايق – اسأل استشير – السند مش فى العدد”.
زيادة مخيفة
مع أحداث ثورة يناير 2011، زاد عدد السكان بشكل مخيف سنويا، فقد بلغ 3 ملايين سنويا ليصل عدد السكان إلى 80.7 مليون نسمة فى ظل ما تعانيه مصر من نقص فى الطاقة والمياه والقمح، وانخفاض احتياطيات العملة الأجنبية وارتفاع معدلات البطالة وقتها.
الرئيس عبد الفتاح السيسى مع توليه مقاليد الحكم عام 2014، بدأ التعامل مع القضية السكانية بجدية بإطلاق أضخم عملية تنمية في تاريخ مصر، حيث تعمل الحكومة على استيعاب الزيادة السكانية البالغة مولود كل 13 ثانية بمعدل 270 مولود فى الساعة، أى بزيادة 2.3 مليون نسمة سنويا، ما يحتاج من الدولة 45.5 مليار جنيه سنويا، لتوفير خدمات المدارس والمستشفيات والوحدات السكنية وغيرها.
الدول التى بدأت برامجها فى التوعية بمخاطر الزيادة السكنية انتهت منها منذ سنوات، وحققت أهدافها سواء بالتوعية السلمية أو بالإجراءات العنيفة مثل حرمان الطفل الثالث من الخدمات الحكومية.
ونجحت حملة تنظيم الأسرة تحت عنوان”2 كفاية”، في خفض معدل الخصوبة من 3.4% إلى نحو 3% خلال السنوات الأربع الماضية، أى إلى ما كان عليه قبل 25 يناير 2011.
إلا أن الوضع الحالي يحتاج استراتيجية شاملة لربط برامج التوعية بالمشروعات القومية الكبرى والعاملين فيها والمستفيدين منها مثل مشروع تطوير القرى، واعداد حملة كبرى بمشاركة الإعلام والمؤسسات الدينية والمجتمع المدنى ورموز المجتمع والفنانين والمثقفين.