قال أبو بكر الديب الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي إن أوروبا أخذت العبرة سريعا بعدما أقرت الولايات المتحدة قانونا لخفض التضخم يتيح تخصيص إعانات سخية لصناعات المستقبل ويهدد بجذب استثمارات كبرى على حساب القارة العجوز وتم تقديم 53 مليار دولار منح وإعانات للشركات التي تصنع أشباه الموصلات في أميركا.. وهنا تقول المانيا لا وقت لدينا لإضاعته، الآخرون في العالم ليسوا نائمين”. وبدأت أوروبا حرب توطين الشركات وخاصة بعد جائحة كورونا.
وأضاف في حواره مع اذاعة قناة العربية اليوم إنه في الأساس، لجأت الولايات المتحدة إلى هذا القانون ردا على سياسة صينية تقوم على تخصيص إعانات ضخمة لهذه الصناعات. بعد عامين ونصف من النقص، استمرت مخاوف صناعة الرقائق العالمية في التراكم، وسط قلق متزايد حيال ضعف الطلب من قبل المستهلكين، والإفراط في التخزين من قبل الشركات المصنعة والتغييرات الأخيرة في سياسات تصدير الرقائق الأميركية وأن ألمانيا نحو 10 مليارات يورو إلى مجموعة “إنتل” الأميركية لإنشاء مصنع لإنتاج أشباه الموصلات وسارت علي نهجها كل من فرنسا وايطاليا
أبو بكر الديب: الحرب التكنولوجية بين الصين وأمريكا بدأت في عهد أوباما
وذكر أن الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين بدأت في عهد الرئيس الامركي الاسبق بارك أوباما، من أجل منع الصين من اللحاق بالتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة عن طريق منع نقل التكنولوجيا وتعظيم الفجوة التكنولوجية بينهما حيث تعتمد أنظمة الدفاع الأميركية والصينية اعتماداً كبيراً على أشباه الموصلات لكن شركة التكنولوجيا الصينية أوجدت بدائل صينية محلية لأكثر من 13 ألف مكون في منتجاتها التي تأثرت بالعقوبات التجارية الأميركية، التي فرضها دونالد ترامب وأعادت تصميم أربعة آلاف من لوحات الدوائر الكهربائية لمنتجاتها، كما صعّدت إدارة الرئيس بايدن حربها الاقتصادية بشكل كبير في أكتوبر 2022 من خلال سن عقوبات بتقييد عملية تصدير أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات صناعة الرقائق إلى الصين.
وقال إن الصين تخطط لضخ استثمارات نحو 143 مليار دولار في صناعة الرقائق المحلية، في خطوة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من أشباه الموصلات ولمواجهة تحركات أميركية تستهدف إبطاء التقدم التكنولوجي الصيني. حيث تتضمن خطط بكين إعفاءات ضريبية وحزم حوافز لمدة 5 سنوات، وإعانات وقروض لدعم أبحاث وإنتاج أشباه المواصلات، فيما ترصد واشنطن 280 مليار دولار لتسريع البحث وتصنيع أشباه الموصلات وبلغت حصتها في سباق أشباه الموصلات في السوق العالمية أكثر من 200 مليار دولار في عام 2020، وهي تقوم بتصدير أشباه الموصلات بنسبة 50 % من السوق العالمية، وتعد أشباه الموصلات أكبر الصادرات من الولايات المتحدة وتستثمر أكثر من خمس المبيعات في البحث والتطوير، ولا تزال أميركا تعتمد على تايوان لتصدير أشباه الموصلات لكن الصين أصبحت الآن مشاركاً رئيسياً في سباق أشباه الموصلات، وتتوسع فيها بقوة منذ عام 2015، وقد تصل مبيعاتها إلى 114 مليار دولار بحلول عام 2024. وأتوقع أن تتفوق الصين على تايوان بحلول عام 2030.
وأوضح أبوبكر الديب أن الرقائق الإلكترونية هي مكونات صغيرة دقيقة تنتج من السليكون وتدخل في معظم الصناعات المتطورة، مثل الهواتف والحواسب والسيارات وغيرها، وتشكل أساس الدائرة التي تمنحها قدراتها الفائقة، حيث يستغرق تصنيع الرقاقة أكثر من 3 أشهر، وتحتاج إلى مصانع عملاقة وغرف بتجهيزات خاصة وآلات بملايين الدولارات وتوجد القليل من الدول التي تستثمر في صناعة الرقائق “أشباه الموصلات” حيث يتطلب الدخول في هذا المجال الكثير من الاستثمارات، وبالتالي تخصصت بعض الدول إما في التصنيع أو البحث والتطوير، ونجد أن المنتجون الرئيسيون لأشباه الموصلات هم: دولة تايوان وتأتي على رأس قائمة الدول المنتجة للرقائق الإلكترونية، متمثلة في شركة “تي إس إم سي”، ودولة كوريا الجنوبية متمثلة في “سامسونغ وإس كاي هاينيكس”، والولايات المتحدة الأمريكية متمثلة في شركة “إنتل”، وباقي العالم لا يوجد به إلا القليل من المصانع الصغيرة التي لا تؤثر علي الصناعة، وفي نفس السياق نجد أن قارة أوروبا بإكملها ركزت على الأبحاث ولا تملك سوى قدرات إنتاج ضئيلة.
وعن أهم القطاعات المتضررة من أزمة أشباه الموصلات؟ قال أبوبكر الديب إننا نجد أن أكثر القطاعات تأثرا بأشتداد أزمة نقص أشباه الموصلات هي :صناعة أجهزة الاتصالات مثل مشغلات الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر والهواتف وصناعة الألعاب مثل أجهزة بلاي ستيشن 5 وإكس بوكس من شركة مايكروسوفت وصناعة السيارات في جميع أنحاء العالم مثل جنرال موتورز وفورد في الولايات المتحدة وهذه الأزمة في نفص الرقائق سوف تؤثر علي إنتاج السيارات عالميا وسوف يتراجع حجم الإنتاج.
أما عن أسباب أزمة نقص أشباه الموصلات فقال أبوبكر الديب إن السبب الأول هو وجود زيادة كبيرة ومفاجئة في الطلب علي الرقائق الإلكترونية نتيجة لتجهيز المنتجات الإلكترونية مع ارتفاع الطلب على أجهزة الكمبيوتر ومشغلات الألعاب الإلكترونية في ظل انتشار وباء كوفيد-19 وما واكبه من عمل عن بعد وزاد احتياج الأشخاص إلى شبكات هواتف الجيل الخامس، التي تعتمد بشكل كبير على الرقائق الإلكترونية، أتجهت شركات كبرى مثل هواوي في عام 2020 إلى تخزين كميات كبرى للحد من وطأة العقوبات، وهناك الكثير من المواد الخام والغازات اللازمة لإنتاج أشباه الموصلات والرقائق مثل النيون والأرجون والهيليوم غير متاحة بسهولة عالمياً في الوقت الراهن بسبب تضرر سلاسل الامداد والتوريد بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ ان روسيا واوكرانيا يستحوذان على جزء كبير من سوق غاز الكريبتون – وهو غاز يستخدم في إنتاج الرقائق، ويعد النيون أيضاً أمراً مهماً لعملية صناعة الرقائق ويتم إنتاج أكثر من نصف نيون العالم من قبل عدد قليل من الشركات في أوكرانيا وأيضا روسيا التي فرضت قيودا على تصدير الغازات اللازمة لإنتاج الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات كاجراء مماثل لنظيره الامريكي والتايواني، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، فإن هذا التباطؤ “سيؤثر على الصناعة”، كما كان لازمة الجفاف الذي ضرب تايوان ور كبير في التاثير علي درجة نقاء المياه التي يتمّ استخدامها في تنظيف السيلكون والآلات التي توجد في المصنع، والتي يتم استخدامها في تصنيع هذه الرقائق.
وأضاف ابوبكر الديب إنه منذ بدء الأزمة ارتفعت العديد من أسعار السلع التي تدخل فيها أشباه الموصلات، مما أدي ضجة عالمية أدت إلي قيام العديد من الشركات العاملة في صناعة الرقائق إلي الإعلان عن استثمارات كبري لسد الفجوة بين العرض والطلب، وانفقت شركة إنتل 20 مليار دولار لبناء مصنعين للرقائق في أريزونا ، و 20 مليار دولار أخرى على الأقل لبناء أكبر موقع لتصنيع السيليكون على هذا الكوكب” فى ولاية أوهايو فيما تستثمر تي سي إم سي مئة مليار دولار، ولكن حذر العديد من المحللين أن الأزمة لن يتم حلها في يوم أو شهر، حيث أن إنشاء مصنع جديد لإنتاج أشباه الموصلات يستغرق سنتين إلى أربع سنوات، فإن القدرات الإنتاجية الجديدة لن تصل إلى الأسواق قبل عام، وترجم هذا التأثير السلبي على صناعات التكنولوجيا والسيارات إلى عواقب اقتصادية مدمرة – وفقًا لـ CBS News ، كلف النقص العالمي فى الرقائق الولايات المتحدة 240 مليار دولار فى عام 2021 بناء على تقديرات الخبراء.
وذكر أبوبكر الديب أن الاستثمارات العالمية في المركبات الكهربائية تضاعفت 18 مرة في 6 سنوات، وسط توقعات بتجاوز استثمارات المركبات الكهربائية حاجز الـ129 مليار دولار) إذ تعزز الشركات المصنعة حول العالم إنفاقها لتلبية الطلب المتزايد، ارتفاع مبيعات المركبات الكهربائية إلى 14 مليون وحدة في 2023.