أيّام العشر من ذي الحجّة من فضل الله -سبحانه وتعالى- على عباده، أن جعل لهم مواسم متجدّدةً للطاعات، يتقرّبون بها إلى الله -تعالى- على مدار العام، فمنها ما هو يوميّ مثل الصلوات الخمس، ومنها ما هو أسبوعيّ مثل صلاة الجمعة، ومنها ما هو سنويّ مثل الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحِجّة.
وتتميّز هذه الأيام بأنّ العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله -سبحانه وتعالى-من العمل في سائر الأيام؛ وأنّ المسلمين يؤدّون فيها فريضة الحجّ الرُّكن الخامس من أركان الإسلام، وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- هذه الايام ميقاتاً سنويّاً متكرّراً يشمل أمّهات العبادات، ومن أيام العشر الأوائل ما يُعرَف بيوم التروية.
المقصود بيوم التروية
يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحِجّة، يتوجّه فيه حُجّاج بيت الله الحرام إلى مِنى، حيث يُحرِم الحاجّ المتمتّع إحراماً جديداً، أمّا الحاجّ المُفرد والحاجّ القارن فهما على إحرامهما الأوّل.
يبيت الحُجّاج بمنى؛ اتّباعاً لسنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويؤدّون خمس صلواتٍ؛ هي: صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفجر يوم عرفة، وقد أُطلِق على يوم الثامن من شهر ذي الحِجّة يوم التروية؛ لأنّ حُجّاج بيت الله الحرام يروون أنفسهم بالماء فيه لما بعده من الأيام، حيث قال الإمام البابرتي صاحب كتاب العناية شرح الهداية: (وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالْمَاءِ مِنْ الْعَطَشِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، يَحْمِلُونَ الْمَاءَ بِالرَّوَايَا إلى عَرَفَات وَمِنى).
سبب التسمية
ذكر العلماء أيضاً في سبب تسمية يوم التروية بهذا الاسم؛ أنّه في هذا اليوم حصل التروّي من إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في ذبح ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام.
وقال الإمام العيني في كتابه البناية شرح الهداية: (وإنّما سُمِّي يوم التروية بذلك؛ لأنّ إبراهيم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- رأى ليلة الثامن كأنَّ قائلاً يقول له: إنّ الله تعالى يأمرك بذبح ابنك، فلمّا أصبح رؤي؛ أي: افتكر في ذلك من الصباح إلى الرواح؛ أمِنَ الله هذا، أم من الشيطان؟ فمِن ذلك سُمِّي يوم التروية).
أعمال يوم التروية
يُستحَبّ للحاجّ أن يتوجّه إلى مِنى قبل وقت الزوال، ويُكثر من التلبية؛ للحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (فلمّا كان يومُ الترويةِ توجَّهوا إلى مِنى، فأهِلُّوا بالحجِّ، وركب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فصلَّى به الظهرَ، والعصرَ، والمغربَ، والعشاءَ، والفجرَ، ثمّ مكث قليلاً حتى طلعتِ الشمسُ)، وفي الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (كانَ يصلِّي الصَّلواتِ الخمسَ بمنى، ثمَّ يخبرُهُم أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- كانَ يفعَلُ ذلِكَ).
ـــ يُصلّي الحاجّ بمِنى صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفجر يوم عرفة قصراً دون جمع، إلا المغرب والفجر، فتُصلَّيان دون قصر، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (صلّيت مع النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بمِنًى رَكعتينِ، وأبي بكرٍ وعُمَرَ، ومعَ عُثمانَ صَدْراً مِن إمارَتِهِ، ثمّ أتَمَّها).
ـــ يُستحَبّ للحاجّ أن يبيت بمِنى ليلة عرفة؛ وذلك لما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، حيث قال: (فلمّا كان يومُ الترويةِ توجَّهوا إلى مِنى، فأهلُّوا بالحجِّ، وركب رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فصلَّى به الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والفجرَ، ثمّ مكث قليلاً حتى طلعتِ الشمس)، وعند طلوع الشمس يسير الحُجّاج من مِنى إلى عرفات، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (كانَ يُهِلُّ منَّا المُهِلُّ فلا يُنْكِرُ عليهِ، ويُكَبِّرُ منَّا المُكَبِّرُ، فلا يُنْكِرْ عليهِ).
أخطاء في يوم التروية
قد تصدر من الحاجّ لبيت الله الحرام بعض الأخطاء في يوم التروية، ومن هذه الأخطاء ما يأتي:
ــ اعتقاد بعض الحُجّاج بلزوم الإحرام من المسجد الحرام، ولكنّ السُنّة أن يُحرم الحاجّ من موضعه.
ـــ اعتقاد بعض الحُجّاج بعدم صحّة الإحرام للحجّ بملابس إحرام العمرة.
ـــ ترك بعض الحُجاج لسُنّة قَصر الصّلاة في مِنى.