سد النهضة.. تطورات سريعة وتنسيق مصري سوداني لمواجهة التجاهل الإثيوبي
تواصل مصر والسودان جهودهما للوصول لحل لأزمة سد النهضة، والوصول لاتفاق قبل شروع إثيوبيا في مرحلة الملء الثاني للسد، خلال شهري يوليو وأغسطس المقبلين، وسط جمود للمفاوضات ونداءات دولية بحل الأزمة تفاوضيا، قبل أن تجد القاهرة والخرطوم نفسيهما أمام المواجهة العسكرية كحل وحيد.
ويعقد وزراء الري من مصر والسودان وإثيوبيا، اليوم وغدا اجتماعا جديدا تحت رعاية الاتحاد الأفريقي في محاولة لحل أزمة سد النهضة، وذلك بعد حوالي ثلاثة أشهر من توقف المباحثات.
وقال السفير ماجد عبدالفتاح، رئيس بعثة الجامعة العربية في الأمم المتحدة، إن العاصمة الكونغولية كينشاسا تستضيف المفاوضات التي كان من المقرر عقدها الأسبوع الماضي، لكنها تأجلت بناء على طلب أديس أبابا إلى ما بعد الانتخابات العامة في بداية هذا الأسبوع.
اجتماع الفرصة الأخيرة
يعد اجتماع الكونغو بمثابة “الفرصة الأخيرة” للتوصل لاتفاق قبل بدء إثيوبيا في المرحلة الثانية من ملء السد في شهر يوليو.
وتوترت العلاقات بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى بسبب أزمة السد الضخم، الذي تبنيه أديس أبابا على فرع النيل الأزرق، حيث تؤكد مصر والسودان أنه سيؤثر على حصتيهما من مياه النيل.
وعقدت المفاوضات الأخيرة بين الدول الثلاث في العاصمة الكونغولية كينشاسا في أبريل الماضي وفشلت في التوصل لاتفاق مع إصرار إثيوبيا على استمرار ملء السد في موعده.
حماة النيل
كان إرسال عناصر من الجيش المصرى إلى السودان للمشاركة في مناورات “حماة النيل”، قبالة نحو شهر بمثابة رسالة رادعة لإثيوبيا، بأن مصر لن تفرط فى قطرة مياه واحدة، أو أى حق من حقوقها، وأنها على أتم استعداد لخوض حرب حرصا على أمنها المائي.
وشاركت مصر والسودان في المناورات بمختلف قواتهما البرية والبحرية والجوية، وشملت التدريبات قصف أهداف داخل أراضي العدو، ومواجهة أي مفاجآت عسكرية.
زيارات مصرية سودانية
تلت المناورات تبادل العديد من الزيارات المصرية السودانية، ملفها الأساسي تطورات أزمة سد النهضة، وسط تجاهل إثيوبي للدعوات والنداءات الدولية والإقليمية لحل الأزمة تفاوضيا.
زار رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الفريق محمد فريد، مقر قيادة مناورات حماة النيل، في الـ26 من مايو الماضي، من أجل التدريب المصرى السودانى وتبادل الخبرات بين الجيشين.
وفي السابع والعشرين من مايو، زار الرئيس عبد الفتاح السيسي السودان، في توقيت مهم، إلى جانب تحركات مصر إقليميًا ودوليًا لعرض وجهة نظر مصر في أزمة سد النهضة، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل.
بشكل مفاجئ، أعلنت الخارجية المصرية عن زيارة وزيري الخارجية سامح شكري والموارد المائية محمد عبد العاطي للسودان، في التاسع من يونيو الجاري، للتباحث حول تعزيز التعاون الثنائي وتطورات سد النهضة.
وقالت الخارجية إن الوزيرين التقيا الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، والدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني، فضلاً عن عقد جلسة مباحثات موسعة مع وزيري الخارجية والري السودانيين بمقر وزارة الخارجية السودانية.
وفي الـ19 من يونيو الجاري، التقى رئيس المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك في العاصمة الخرطوم، ضمن مشاورات أزمة السد.
وسلّم كامل، البرهان، رسالة من الرئيس السيسي، ثم التقى رئيس المخابرات العامة السوداني، في زيارة استغرقت عدة ساعات.
وقبل ساعات، أعاد رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمد فريد، زيارة الخرطوم، في زيارة وصفت “بالمفاجئة”، كانت تهدف لإجراء محادثات مشتركة مع محمد عثمان الحسين، رئيس الأركان السوداني، بشأن تطورات أزمة سد النهضة الإثيوبي، إلى جانب بحث بعض الأنشطة العسكرية المشتركة.
ولفتت المصادر إلى أن حجازي، كان أنهى زيارة أخرى غير متوقعه إلى الكونغو، مرجحاً أن تلك الجولة تهدف لدعم موقف موحد، استناداً إلى الاتفاقات الموقعة مسبقاً.
سد النهضة ومجلس الأمن
طالبت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق، مجلس الأمن بعقد جلسة في أقرب وقت ممكن لبحث تطورات الخلاف حول سد النهضة الإثيوبي، وأثره على سلامة وأمن الملايين من الذين يعيشون على ضفاف النيل الأزرق والنيل الرئيسي في السودان ومصر وإثيوبيا.
جاء ذلك في رسالة بعثت بها المهدي، لرئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث طالبت فيها بِحثّ كل الأطراف على الالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولي والامتناع عن اتخاذ أية إجراءات أحادية الجانب ودعوة إثيوبيا بالتحديد للكف عن الملء الأحادي لسد النهضة، الأمر الذي يفاقم النزاع ويشكل تهديدا للأمن والسلام الإقليمي والدولي.
ودعت رسالة وزير الخارجية السودانية، مجلس الأمن الدولي لمناشدة كل الأطراف بالبحث عن وساطة أو أي وسائل سلمية أخرى مناسبة لفض النزاعات، لحل القضايا العالقة المتبقية في مفاوضات سد النهضة.
كما دعت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وكل المنظمات الدولية والإقليمية للمساعدة في دفع مفاوضات سد النهضة الإثيوبي ببذل مساعيها الحميدة وجهودها للوساطة لحل هذا النزاع.
وأعربت وزير الخارجية مريم الصادق عن قلق السودان البالغ وأسفه لمضي إثيوبيا قدما في الملء الأحادي الجانب لسد النهضة للمرة الثانية معرضة حياة الملايين من السودانيين وسلامتهم وسبل عيشهم لمخاطر جسيمة.
وسردت الرسالة بالتفصيل الجهود الحثيثة والمخلصة التي بذلها السودان للتوصل لاتفاق قانوني ملزم عبر عملية التفاوض، التي يرعاها الاتحاد الإفريقي خلال عام كامل، وكيف وصلت هذه المساعي لطريق مسدود بسبب تعنت إثيوبيا وافتقارها للإرادة السياسية الضرورية للتوصل لاتفاق يخاطب مصالح ومخاوف كل الأطراف.
مصر ومجلس الأمن
كانت مصر قد وجهت خطابا لمجلس الأمن بالأمم المتحدة، شرحت فيه مستجدات الملف، ووجه سامح شكري وزير الخارجية خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة لشرح مستجدات ملف سد النهضة، انطلاقاً من مسؤولية المجلس وفق ميثاق الأمم المتحدة عن حفظ الأمن والسلم الدوليين.
تضمنت الرسالة تسجيل اعتراض مصر على ما أعلنته إثيوبيا حول نيتها الاستمرار في ملء سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل، والإعراب عن رفض مصر التام للنهج الإثيوبي القائم على السعي لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب، من خلال إجراءات وخطوات أحادية تعد بمثابة مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق.
وصرح السفير أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أن خطاب وزير الخارجية، والذي تم تعميمه كمستند رسمي لمجلس الأمن، يكشف للمجتمع الدولي عن حقيقة المواقف الإثيوبية المتعنتة التي أفشلت المساعي المبذولة على مدار الأشهر الماضية من أجل التوصل لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً حول سد النهضة، في إطار المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الإفريقي.
وذكر أنه تم كذلك إيداع ملف متكامل لدى مجلس الأمن حول قضية سد النهضة ورؤية مصر إزاءها، وذلك ليكون بمثابة مرجع للمجتمع الدولي حول هذا الموضوع ولتوثيق المواقف البناءة والمسؤولة التي اتخذتها مصر على مدار عقد كامل من المفاوضات ولإبراز مساعيها الخالصة للتوصل لاتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث ويحفظ حقوقها
وزراء الخارجية العرب
امتدت الجهود المصرية إلى الجامعة العربية، حيث شهدت العاصمة القطرية الدوحة، اجتماعا لوزراء الخارجية العرب، لبحث آخر تطورات أزمة سد النهضة، والوصول إلى حل مرضى لجميع الأطراف. وقرر الاجتماع:
- مطالبة إثيوبيا بالامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية توقع الضرر بالمصالح المائية لمصر والسودان، بما في ذلك الامتناع عن ملء خزان سد النهضة، دون التوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد.
- أخذ العلم بالخطابات التي وجهها وزير الخارجية المصري ونظيرته السودانية إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة، والإعراب عن الاتفاق مع ما ورد بهذه الخطابات من تحذير من العواقب على الأمن والسلم الدوليين والإقليميين المترتبة على عدم التوصل لتسوية عادلة لقضية سد النهضة.
- دعوة مجلس الأمن لتحمل مسئولياته في هذا الصدد، من خلال عقد جلسة عاجلة للتشاور حول هذا الموضوع، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق عملية تفاوضية فعالة تضمن التوصل، في إطار زمني محدد، لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونًا حول سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث.
تعنت إثيوبي
تواجه أديس أبابا أي محاولات مصرية سودانية بالرفض، نظرا لرغبتها في بقاء الملف حبيس أدراج الاتحاد الإفريقي، الذي فشل على مدار السنتين الماضيتين في الوصول لأي اتفاق، سواء تحت إشراف جنوب إفريقيا الرئيس السابق للاتحاد، أو تحت إدارة الكونغو الرئيس الحالي للاتحاد.
وأعربت الخارجية الإثيوبية فى بيان لها، عن انزعاجها من بيان جامعة الدول العربية بشأن سد النهضة، معلنة رفض محاولات الجامعة العربية ما أسمته “فرض إملاءات بشأن ذلك، وكان الأجدر بها تشجيع التوصل لحل مُرض لجميع الأطراف”، مؤكدة أن “استغلال مياه النيل مسألة وجودية لأديس أبابا، ويجب على جامعة الدول العربية أن تعرف ذلك”.
وزعم البيان أن محاولات تدويل وتسييس قضية سد النهضة لن تؤدي إلى تعاون إقليمي مستدام لاستغلال وإدارة نهر النيل، مضيفا: “نمارس حقنا المشروع في استغلال مواردنا المائية مع الاحترام الكامل للقوانين الدولية”.
السودان ووقيعة الاتفاق الجزئي
قبل أيام من موعد الملء الثاني لسد النهضة في يوليو المقبل، أعلنت السودان على لسان وزير الري ياسر عباس، أنها منفتحة على إبرام اتفاق جزئي مؤقت بخصوص سد النهضة الإثيوبي، لكن بشروط محددة.
اعتبر مراقبون أن هذا الإعلان يمثل “تحول محتمل” في موقف السودان بالنسبة لقضية السد، خاصة وأنها كانت قد اتفقت مع مصر في الأسابيع الماضية على ضرورة أن يكون “الاتفاق شاملا”.
“هذا الاقتراح ليس جديدا” بحسب ما قال العضو السابق في الفريق الممثل للسودان في مفاوضات سد النهضة، الدكتور أحمد المفتي. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قدمته كحل لرئيس الاتحاد الإفريقي الجديد، رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس أنطوان تشيسيكيدي.
وأضاف المفتي في تصريحات لموقع قناة “الحرة”، أنه عندما عرضه الاتحاد الأفريقي على مصر والسودان تم رفضه، لكن السودان غيرت موقفها وأعلنت انفتاحها عليه.
وبحسب المفتي، هو “اتفاق يمكن أديس أبابا من الملء الثاني لسد النهضة في يوليو القادم، وبتنسيق مع القاهرة والخرطوم، ويزود السودان بكل المعلومات اللازمة أثناء الملء”.
وفي حين أن هذه المعلومات مفيدة للسودان لتفادي أضرار الملء الثاني، إلا أن الاتفاق المؤقت لا يشمل أي من النقاط الجذرية المتعلقة بوجود آلية قانونية، تلزم إثيوبيا بتوفير المعلومات اللازمة عن الملء لدول المصب، أو الاتفاقات المستقبلية حول آلية الملء في سنوات الجفاف، وكيفية حل النزاعات المستقبلية.
ويرى المفتي أن الهدف الأساسي من الاتفاق المؤقت هو منح الشرعية الكاملة لعملية الملء الثاني، مؤكدا أن مصر والسودان لن تستفيد منه شيئا وأن المستفيد الأكبر منه هي إثيوبيا.
شروط سودانية
وضع وزير الري السوداني، 3 شروط لقبول بهذا الاتفاق هي: التوقيع على كل ما تم الاتفاق عليه بالفعل في المفاوضات بين إثيوبيا والسودان ومصر، ووضع بنودا لضمان استمرار المحادثات حتى بعد ملء السد المقرر في يوليو، بالإضافة إلى التزام المفاوضات بجدول زمني محدد.
واعتبر المراقبون أن يؤدي الإعلان السوداني دون موافقة القاهرة إلى إحداث خلاف في الجبهة المصرية السودانية، التي تشكلت في الشهور الماضية، لمواجهة أديس أبابا في ملف سد النهضة.
وهو ما اتفق معه المفتي، الذي أكد أن هذا القرار السوداني إذا قبلته إثيوبيا قد يحدث شرخا في الجبهة المصرية السودانية، التي تشكلت خلال الشهور الماضية لمواجهة.
تجاهل إثيوبيا للمقترح السوداني
لم تعلق أديس أبابا على المقترح السوداني. وقال المفتي إنه لو كان يملك القرار في أديس أبابا لقبل العرض السوداني فورا.
بينما قال الخبير في الشؤون الإفريقية، هاني رسلان، إن هذا الاقتراح تجاهلته أديس أبابا، وأعلنت أن الملء الثاني سيتم في موعده بشكل طبيعي وكامل.
وأرجع رسلان في تصريحات لموقع “الحرة” تجاهل إثيوبيا لهذا الاقتراح بسبب قربها من بدء الملء الثاني، وعدم حاجتها لتقديم أي تنازلات وقبول الاتفاق، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق يتناول كل عملية الملء وليس الثاني فقط.