دكتور صلاح سلام يكتب: مولاي إني ببابك
كان الرئيس السادات فيه مسحة روحانية، وكان يحب أن يسمى بالرئيس المؤمن وكان من عشاق صوت الشيخ النقشبندي ولاتخلوا أي مناسبة يحضرها من فقرة له..
وفي استراحة القناطر الخيرية الرئاسية وهي المكان المفضل له كانت خطبة إحدى كريماته وبالطبع كان النقشبندي حاضرا وبليغ حمدي من المدعويين وتفتق ذهن الرئيس عن فكرة فنادى عليهما وقال للنقشبدي أنا نفسي أسمعك مع بليغ…
وعهد إلى وجدي الحكيم وهو رئيس الإذاعة “وهو من يقص هذه الحكاية” فقد كان يحلو له ذلك دائما في حديث الذكريات…ويقول إن الرئيس طلب منه أن يفتح استوديو الإذاعة لهما…وأورد قائلا أن النقشبندي لم يكن سعيدا بذلك وقال له احنا هنغني على آخر الزمن!!
فقد خشي أن ألحان بليغ تفسد حالة الخشوع التي كانت تتلبسه وهو يؤدي تواشيحه وطلب منه أن يعتذر لبليغ….ولكن وجدي الحكيم اتفق معه اتفاق جنتلمان هو أن يجلس مع بليغ لمدة نصف ساعة في الاستديو وستكون بينهما إشارة فإذا خلع الشيخ طربوشه فمعناه انه موافق وإذا لم يحدث ..فوقتها سوف نجد طريقة للاعتذار لبليغ…
وغاب عنهما وقتا فيقول لما عدت وجدت الشيخ قد خلع”طربوشه والجبة والقفطان.. وقال ايه دة …دة بليغ دة جن” وبهذا النص كانت الحكاية.. وقد كان بداية انطلاق أروع أجمل تواشيح النقشبندي والتي اختارها بليغ من كلمات الشاعر الصوفي عبد الفتاح مصطفى وكان أشهرها “مولاي إني ببابك” الذي ما زال إلى يومنا هذا يعد احد علامات شهر رمضان حتى بعد أن خفت صوت الإذاعة قليلا وسرقت الشاشة الصغيرة كل أوقات رمضان بمسلسلات تطحن بعضها بعضا وتتسابق لجذب المشاهد… وأصبح هذا اللحن نغمة على أجهزة الموبايل… واختار له أيضا أقول امتي يارب امتي.. رباه من أناجي.. ذكرى بدر.. أيها الساهر.. ياليلة في الدهر ليلة القدر… دار الأرقم… ولحن له بليغ ٦ منها..
وكان الاختيار الرائع من كلمات الشاعر الصوفي عبد الفتاح مصطفى والذي تشعر معه أنه يخاطب قوى روحية حيث تتميز كلماته بإزالة تختلط بالسهولة والمتعة في نفس الوقت تشنف الأذان وتطرب القلب وتسعد النفس فقد امتلك سحر الكلام وتناغم القوافي والأوزان.. فقد كتب لأم كلثوم لسة فاكر.. وليلي ونهاري.. وتائب تجري دموعي ندما..وطوف وشوف طوف في جنة ربنا واتفرج وشوف… وياحبنا الكبير الأول والأخير…أاقولك ايه عن الشوق ياحبيبي والتي لاقت تفاعلا كبيرا من الجمهور ليلة أن غنتها كوكب الشرق وهاتفته في اليوم التالي قائلة انت بتحب جديد ياعبد الفتاح ..طب والله لاقول لمراتك.. فقال لها ياسيدتي هذه لم تكن كلمات لحبيبة وإنما كانت تخاطب الحبيب الواحد..
ويبدوا أن السنباطي كان يعلم مايضمره شاعرنا فقد جاء اللحن مختلفا ومنطلقا في آن واحد.. وتتعد الصفحات التي تكتب عن عبقرية بليغ حمدي والتي أسعد دائما بقراءتها والنقاط بعض الدرر التي وردت فيها وإن كان أي كلام مهما علت بلاغته لن يشفيه حقه فهو الموسيقار الذي جعل أم كلثوم تصل إلى رجل الشارع والى الفلاح في حقله…
واخيرا ..إذا خلوت مع نفسك وسمعت مولاي إني ببابك.. قد بسطت يدي من لي إلاك ياسندي.. أقوم بالليل والأسحار ساجية… أدعو وهمس دعائي بالدموع ندي… بنور وجهك اني عائز وجل…. ومن يعز بك لا يشقى إلى الأبد.. تذكر هؤلاء العمالقة الذين خلدوا هذا النشيد الذي يهتز له وجدان الحجر والبشر.