صبري الجندي يكتب: الحرب في أوكرانيا.. والقمح في مصر
استيقظ العالم فجر الخميس على الغزو الروسي لأوكرانيا، وقف العالم ولم يقعد ولن يقعد لفترة ليست قصيرة على اللا مفاجأة.
كل شيء في الأزمة الروسية الأوكرانية كان معروفًا ومتوقعًا، كانت الحرب الكلامية والإعلامية على أشدها بين روسيا وأمريكا وأوروبا وحلف الناتو، أخذت روسيا كل خصومها إلى حافة الهاوية أكثر من مرة، وكتم العالم أنفاسه أكثر من مرة وفي كل مرة يكتم العالم أنفاسه، تعود الأوضاع إلى حالتها الأولى حرب كلامية وإعلامية، وتلويح بالحرب من الجانبين الروسي من جهة والأمريكي والأوروبي من جهة أخرى.
إلا هذه المرة تفاجأ العالم كله بالغزو الروسي المحدود لأوكرانيا، وتعالت الأصوات بالشجب والإدانة والتهديد الأجوف، وقلت أكثر من مرة أن العالم لم ولن يشهد حرباً عالمية ثالثة لأنه – أي عالم – لا يستطيع تحمل تكلفتها وتبعاتها المدمرة.
حدث ارتباك في العالم كله، وانهارت البورصات العالمية، وألقى انهيار هذه البورصات بظلاله على البورصات المحلية وفيها البورصة المصرية التي خسرت في أول ساعتين من بدء التداول أكثر من 20 مليار جنيه من رأس مالها السوقي، كما انهار الروبل الروسي انهياراً ضخماً.
العالم كله تأثر سياسيًا واقتصاديًا منذ بدء الأزمة وزاد التأثير السلبي مع بدء الغزو، وأعتقد وفقًا لقراءة متأنية للأحداث والمواقف أن هذه الحرب قصيره جدًا ولن تطول بعد أن حقق الدب الروسي أهدافه وهو يبتسم للعالم كله بينما العالم متجهم وقلق.
ولم يكن انهيار البورصات العالمية هو الأثر السلبي الوحيد للغزو الروسي، فقد ارتفع سعر الذهب إلى أقصى معدلاته منذ سنوات، كما ارتفعت أسعار النفط متجاوزة 106 دولاراً للبرميل، وتبعتها قفزة في أسعار الغاز، وهذا أدى إلى زيادة قلق العالم نتيجة التبعات السلبية على الاقتصاد العالمي في المدى القصير والمتوسط على الأقل ويزداد القلق لدى الدول المستوردة للغاز والبترول وفي مقدمتها دول أوروبا مجتمعة، والتي يعتمد أغلبها على الغاز الروسي باعتبار روسيا ثاني أكبر منتج ومصدر للغاز في العالم.
لم يكن النفط أو الغاز أو الذهب فقط من ارتفعت أسعاره، لكن امتد ارتفاع الأسعار إلى القمح الذي قفزت أسعاره لأعلى مستوى منذ 9 سنوات وعند القمح اسمحوا لي أن أتوقف قليلاً أمام رسائل الرئيس السيسي الذي بعث بها خلال زيارته للكلية الحربية ولقائه مع الطلاب الذين أنهوا المرحلة الأساسية من التعليم داخل الكلية،
حيث أعلن الرئيس أنه والحكومة يقدرون قدرة الشعب المصري على تحمل تبعات الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته مصر في نوفمبر 2016، أي منذ أكثر من 5 سنوات تحمل خلالها الشعب المصري هذه الأعباء الضخمة والتي أثقلت كاهله بصبر ورضا وقناعة لثقته في الرئيس الذي مارس دور الطبيب الجراح الذي يرى أن شفاء المريض لا يتم إلا باستئصال المرض بجراحات صعبه ومؤلمه لكنها مؤثره وناجحة.
وقال الرئيس إننا نجحنا في العديد من الملفات الصعبة واجتزنا عقبات كبرى وحققنا نتائج مبهره ولازال أمامنا الكثير لنحققه، وعرج الرئيس بطريق غير مباشر إلى التوقعات غير المتفائلة لما يواجه العالم من جراء الأزمة الروسية الأوكرانية خاصة وأن العالم عانى على مدى عامين وأكثر من جراء جائحة كرونا التي لا تزال موجودة معنا وبيننا، وأشار إلى أنه مع الحكومة يعملون على تخفيف الأثار السلبية على المواطنين من زيادة حتمية في أسعار السلع والخدمات التي يشكو منها المواطن المصري والتي مثلت ولا تزال تمثل عبئًا ثقيلًا على كاهله.
كما أشار الرئيس السيسي إلى أن مصر أضافت 250 ألف فدان جديده للرقعة الزراعية مزروعة بالقمح، وأن العام القادم سيشهد زيادة الرقعة الزراعية بنحو 500 ألف فدان جديده مزروعة بالقمح أيضًا، كما أن العام 2024 سيتم فيه إضافة مليون أو ربما مليون ونصف فدان مزروعة أيضاً بالقمح، لماذا القمح تحديداً؟
لأن مصر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم بنحو 9 ملايين طن سنويًا، فإن هذه المساحات الضخمة ستزيد إنتاج مصر من القمح بما يقلل الفجوة بين الإنتاج والاستيراد من جهة، و يقلل الضغط على العملات الأجنبية ويساعد في ثبات قيمة الجنية المصري أمام هذه العملات من جهة ثانية بما يساهم في زيادة احتياطي مصر من النقد الأجنبي و بما يضمن حدودًا آمنة للسلع الأساسية التي يتم استيرادها من الخارج.
كانت رسائل الرئيس للمواطنين استعدوا للقادم على الرغم من أن مصر لن تتأثر بشكل فوري من ارتفاع أسعار القمح عالمياً لأن لديها مخزون يكفي الاستهلاك حتى أكتوبر القادم، ولأن لديها تعاقدات سابقة بأسعار معقولة تضمن لها مزيداً من المخزون، ومع ذلك تأتي كل خطط إعادة بناء مصر تحسبًا لما هو قادم في كل المجالات من خلال رؤية عميقة لكل زوايا الصورة في العالم.
عرفتم لماذا يعمل السيسي جاهدًا ومجتهدًا على أن يسابق الزمن لتنفيذ كل المشروعات الضخمة التي يقول البعض لما وما فائدتها، عرفتم لماذا لدينا مخزون من القمح يكفي استهلاكنا دون قلق أو خوف لأن السيسي عمل على زيادة قدرة مصر على تخزين القمح من 1,4 مليون طن ليصل حتى الآن إلى 3,4 مليون طن من خلال تنفيذ أكبر مشروع عرفته مصر لإنشاء الصوامع لتخزين القمح وفقًا لأعلى المواصفات العالمية وتكنولوجيا متقدمة.
إنها النظرة للمستقبل التي لا يراها البعض أو يراها ويتعامى عنها عمدًا أو جهلًا.