صفوت سليم يكتب: أطفال غزة.. بين التجويع والإبادة
فِي خِضَمِّ الحَرْبِ المُشْتَعِلَةِ جَذْوَتُهَا مُنْذ السَّابِعِ مِنْ أُكْتُوبَر المَاضِي فِي غَزَّةَ، يُوَاجِهَ الأطْفَالُ هُنَاكَ بِرُفْقَةِ أُسَرِهِم حَرْبَ تَجْوِيعٍ مِنْ جَانِبٍ، وَمِنْ آخَر آلَةَ قَتْلٍ مُمَنْهَجٍ فِي كُلِّ شِبْرٍ، فَلَا أمَان وَلَا مَأْكَل أوْ مَلبَسٍ، أوْ أيِّ مِنْ مَعَالِمِ الحَيَاةِ، وَقَدْ ظَهَرَ جَلِيًّا لَنَا صُوَرُ الأطْفَالِ الَّتِي بَرَزَتْ عِظَامَهَا، عَلَى إِثْرِ تَعَرُّضِهِمْ لِجَفَافٍ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ، وَلَا عَزَاءً لِلعَالَمِ المُتَخَاذِلِ الَّذِي يَشْهَدُ انْتِهَاكًا صَارِخًا لِمَوَاثِيقِ الدَّوْلَةِ كَافَّةِ، وَلَكِنَّ الصَّمْتَ سَيِّدْ المَوْقِفِ.
وَلَمْ يَكْتَفِ الكِيَانُ الصُّهْيُونِيُّ بِسِلَاحِ التَّجْوِيعِ وَحَسَب، بَل يُمَارِسُ ضُغُوطًا عَلَى الأسْرِ بِقَتْلِ أبنَائِهِمْ الصِّغَارِ أمَامَ أعْيُنِهِمْ رَمْيًا بِالرَّصَاصِ كَأنَّهُمْ أهْدَافٌ لِتَدْرِيبِ القُوَّاتِ المُشَارِكَةِ فِي القِتَالِ بِغَزَّة، وَقَدْ وَثَّقَ المَرْصَدُ الأورُومُتَوسِّطِي لِحُقُوقِ الإنْسَانِ إِعْدَامَ 13 طِفْلًا مِنْ قِبَلِ جَيْشِ الِاحْتِلَالِ الإسْرَائِيلِي مِنْ خِلَالِ إِطْلَاقِ نَارٍ مُبَاشِرٍ بِاتِّجَاهِ أطْفَالٍ فِلَسْطِينِيِّينَ فِي مُجَمَّعِ الشِّفَاءِ الطِّبِّيِّ وَمُحِيطِهِ فِي مَدِينَةِ غَزَّةَ.. وَاقِعٌ مُزْرٍ وَمِحْنَةٌ تَتَطَلَّبُ أنْ يَتَدَخَّلَ مَنْ يَمْلِكُونَ القَرَارُ لِوَقْفِ الغَطْرَسَةِ الصُّهْيُونِيَّةِ الَّتِي تَخَطَّتْ العَقْلَ وَالمَنْطِقَ.
عَزِيزِي.. يَكْفِيكَ أنْ تَتَجَوَّلَ فِي الشَّوَارِعِ وَالمُسْتَشْفَيَاتِ لِتَرَى اأمطْفَالَ وَهُمْ يَبْكُونَ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ، وَالأمْرَاضُ تَنْهَشُ فِي أجْسَادِهِمْ وَبِنْيَتِهِمْ أصْبَحَتْ هَزِيلَةً، وَلَمَا لَا وَهُمْ يَعِيشُونَ فِي وَاقِعٍ يَخْلُو مِنْ وُجُودِ أدْوِيَةٍ، وَلَنْ تَسْمَعَ هُنَاكَ سِوَى الأنينِ المُسْتَمِرِّ، وَسَطَ أُمَّهَاتٍ يُرَاقِبْنَ مَا يَحْدُثُ فِي أبْنَائِهِمْ بِصَمْتٍ مُرِيبٍ، فَلَا قَرَار يَمْلِكُونَ أوْ اسْتِجَابَةٍ، لَإغَاثَتْهِمْ مِنْ آلَةِ القَتْلِ الصُّهْيُونِيَّةِ الَّتِي تَمَسَّكُ بِسِلَاحٍ ذُو حَدَّيْنِ “إِبَادَةً وَتَجْوِيع”.
فِي الحَقِيقَةِ أنَّهُ فِي جَمِيعِ أنْحَاءِ غَزَّةَ، يَتَصَدَّرَ الجُوعُ المَشْهَدُ، خَاصَّةً أنَّ الكَثِيرَ يُقَرِّرُ أنْ يَجْلِسَ جُوعًا فِي مَأْمَنٍ وَيَنْجُو بِحَيَاتِهِ، بَدَلًا مِنْ الِاسْتِهْدَافِ المُبَاشِرِ مِنْ قِبَلِ الكِيَانِ الصُّهْيُونِيِّ لِقَوَافِلِ الإغاثَةِ، وَالغِذَاءُ، حَيْثُ ارْتَكَبَ جَيْشُ الِاحْتِلَالِ مَجْزَرَةَ الطَّحِينِ فِي 26 فَبْرَايِر المَاضِي، وَاسْتَهْدَفَ تَجَمُّعًا لِلمُوَاطِنِينَ كَانُوا بِانْتِظَارِ الحُصُولِ عَلَى المُسَاعَدَاتِ، قُرْبَ دُوَارِ النَّابُلُسِي شَمَالَ قِطَاعِ غَزَّةَ، مَا أسْفَرَ عَنْ ارْتِقَاءِ 112 فِلَسْطِينِيًّا وَإِصَابَةِ نَحْوِ 800 آخَرِينَ.
بِصَرَاحَة.. بَاتَتْ الرُّؤْيَةُ وَاضِحَةً أنَّ الكِيَانَ الصُّيهُوينِي لَنْ يَلتَزِمَ بِقَرَارٍ يَخُصُّ وَقْفَ إِطْلَاقِ النَّارِ فِي غَزَّةَ أوْ إِبَادَةِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ، وَرَغْمُ وَجَاهَةِ الكَثِيرِ مِنْ التَّحْلِيلَاتِ وَالَّتِي أشَادَتْ بِتَمْرِيرِ مَجْلِسِ الأمْنِ الدَّوْلِيِّ أوَّلَ قَرَارٍ يَدْعُو إِلَى “وَقْفٍ فَوْرِيٍّ لِإِطْلَاقِ النَّارِ.. لَمْ تَضَعْ الحَرْبُ أوْزَارَهَا، وَمَا زَالَ الكِيَانُ الصُّهْيُونِيُّ يَشُنُّ الهَجَمَاتِ الشَّرِسَةَ عَلَى غَزَّةَ، مَا يَعْنِي أنَّنَا إِزَاءَ عِصَابَةٍ لَا تَنْتُويْ التَّرَاجُعُ عَنْ أهْدَافِهَا فِي ظِلِّ اتِّخَاذِ مَجْلِسِ الأمْنِ خُطْوَةً فِي مُجْمَلِهَا تَصُبُّ فِي صَالِحِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ.
أخِيرًا.. رَغْمَ عَدَمِ الِالتِزَامِ بِالقَرَارِ، هُنَاكَ تَدَاعِيَاتٌ خَطِيرَةٌ تُلقِي بِظِلَالِهَا عَلَى النِّظَامِ الإسْرَائِيلِيِّ، مِنْ وُجُودِ عُقُوبَاتٍ نَاهِيَكَ عَنْ العُزْلَةِ الَّتِي سْتِزَادَادُ بِطَبِيعَةِ الأمْرِ، خَاصَّةً أنَّ الحَلِيفَ وَالشَّرِيكَ فِي عَمَلِيَّةِ إِِبَادَةِ مُنْذُ فَجْرِ التَّارِيخِ، “الوِلَايَاتُ المُتَّحِدَةُ الأمْرِيكِيَّةُ” تَرَاجعَ بَعْضِ الخُطُوَاتِ لِلوَرَاءِ، وَآثَرَ عَدُّ التَّصْوِيتِ عَلَى قَرَارِ وَقْفِ إِطْلَاقِ النَّارِ، وَعَدَمَ اسْتِخْدَامِ “الفِيتُو” مِثْلَمَا يَحْدُثُ كُلُّ مَرَّةٍ، وَهُوَ مَا يَلُفُّ الحَبْلُ حَوْلَ رَقَبَةِ الكِيَانِ الصُّهْيُونِيِّ وَيَتَسَبَّبُ فِي حُدُوثِ اِنْقِسَامٍ عِند اتِّخَاذِ القَرَارِ.