أكد وزير الخارجية سامح شكرى أن الدبلوماسية المصرية، وخلال قرن مضى شهدت مصر خلاله أحداثًا جسامًا، برهنت أنها درعٌ للوطن فى الخارج، وسيفٌ له متى اقتضت الحاجة.
جاء ذلك في تقديم وزير الخارجية سامح شكري، في العدد الصادر من مجلة الدبلوماسي؛ بمناسبة مئوية وزارة الخارجية “مسيرة الدبلوماسية المصرية بين قرن مضى وآخر آت في ظل الجمهورية الجديدة”.
وقال شكري- في المقدمة التي نشرتها وزارة الخارجية على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” اليوم الخميس، “إن المُتأمل في صفحات تاريخ مصر الحديث يُدرك أن يوم 15 مارس 1922 يُعد مناسبة عزيزة في تاريخ مصر ونفوس المصريين، ففي مثل هذا اليوم من كل عام تحتفل مصر بيوم صدور إعلان استقلالها، وتمكنها من إعادة وزارة الخارجية بعد أن توقفت عن العمل إثر إعلان الحماية البريطانية على مصر عام 1914”.
وأضاف الوزير أنه وخلال قرن مضى منذ ذلك اليوم، شهدت مصر أحداثًا جسامًا، برهنت فيها الدبلوماسية المصرية على أنها درعٌ للوطن في الخارج، وسيفٌ له متى اقتضت الحاجة؛ لم تَدعَ في ذلك بابًا وراءه مصلحة عُليا لمصر إلا وطرقته بإصرار، متشبثة بثوابت تحركاتها الخارجية ومبادئها الوطنية.
كانت وزارة الخارجية، خلال تلك العقود، مؤسسة وطنية لها تقاليدها الراسخة التي لا تضع سوى مصالح الوطن ورعاية أبنائه في الخارج نُصب الأعين؛وتوالى عليها كوادر رفيعة من شيوخ الدبلوماسيين الأجلاء وشبابهم الواعد، عاهدوا الله والوطن ألا يبخلوا بجهد أو أن يضنوا بعرق لتحقيق تلك الغاية.. بل إن من أبناء تلك المؤسسة من قدَّم روحه فداءً في ميدان العمل الخارجي، نحتسبهم عند الله سبحانه من الشهداء.
وأشار إلى أن أحد أهم مُرتكزات دبلوماسية مصر أن لها سياسةً خارجية مستقلة تستند إلى مبادئ وأسس واضحة تهدف من خلالها إلى الدفاع عن حقوق وشعب مصر الكريم، وتُساند بعزم صادق لا يلين الحقوق المشروعة لشعوب منطقتها العربية والإفريقية بل والإنسانية جمعاء؛ وذلك استنادًا إلى ما تتمتع به القاهرة من رصيد ضخم من المصداقية الدولية، ووفاءً للثقة التي أولتها إياها شعوب حاضنتها العربية والإفريقية والإسلامية، واضطلاعًا بدور قُدِّر لها أن تضطلع به منذ أن بزغ فجر الحضارة الإنسانية.
وأوضح وزير الخارجية أنه وخلال مسيرة عمل الدبلوماسية المصرية، كانت الدائرة العربية أحد أهم محاور سياستها الخارجية، إذ حملت مصر على عاتقها لواءَ العُروبة وكانت منبرها الصادح بحقوقها المسلوبة، ودافعت عن قضاياها بتفانٍ كامل.
وتابع “ولا تزال القاهرة تضطلع بذات الدور في هذا المسار، مُدافعة عن حقوق شعوبنا العربية، واستقلالية قرارها السياسي وسلامة أراضيها، وتُعلي في الوقت نفسه من أهمية العمل العربي المُشترك باعتباره قوام الحماية الرئيسة لعالمنا العربي”.
واستطرد قائلا “ويستدعيني هنا ما ذكره المُفكر جمال حمدان في توصيف علاقة مصر بدائرتها العربية في رائعته “شخصية مصر”، إذ يقول: “إن مصر مركز الثقل الطاغي وقُطب القوة في العالم العربي.. مصر أكثر من عضو ضخم في الجسم العربي، إنها رأسٌ، ورأسٌ مُوحٍ مؤثر، ثم هي جهاز عصبي مركزي فعال”.
وأوضح شكري أن نطاق دوائر اهتمام الدبلوماسية المصرية يشمل القارة الإفريقية باعتبارها عمقًا استراتيجيًا آخر لمصر، وتجلى ذلك الاهتمام في مُساندة حق الشعوب الإفريقية في نيل الاستقلال.. كما كثّفت مصر دائمًا من جهودها في تعزيز علاقاتها الخارجية مع دول القارة وحملت نبراس التنمية لأشقائنا فيها عبر مجموعة مُستمرة وممتدة من المشروعات التنموية التي تحتاج إليها دولنا الإفريقية، وحقها في التنمية المُستدامة.
وأضاف أنه وإذا كانت الدائرتان العربية والإفريقية مثلتا دوائر اهتمام رئيسة في مجال الدبلوماسية المصرية، إلا أن ذلك اقترن بدبلوماسية واعية استشرفت أهمية تنويع محاور التحركات الخارجية آسيويًا وأوروبيًا وأمريكيًا، وتوظيف هذه المحاور لخدمة مصالحنا القومية، والمُساهمة بفاعلية في بناء جسور السلام وتدعيم ركائز الأمن والاستقرار لمصر ودول المجتمع الدولي.
وشدد على أن الدبلوماسية المصرية لم تغفل كذلك خلال مسيرتها المضيئة عن الانخراط الجاد والتفاعل النشط مع مختلف أطر العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف، إقليميًا ودوليًا، فكان التحرك المنظم برؤية عملية وعلمية في كافة منصات الدبلوماسية متعددة الأطراف حفاظًا على مصالح مصر الاستراتيجية والدفاع عن ثوابت مصر الوطنية وتعزيز أطر التعاون الدولي؛ فكان لمصر صوت مسموع ودور ملموس إزاء مختلف الملفات والقضايا متعددة الأطراف على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والبيئية، التقليدية منها والمستحدثة.
وأشار شكري إلى أنه “وتأكيدًا على ما تنطوي عليه رؤية الدبلوماسية المصرية من وجوب مواكبة متغيرات العصر، ومعالجة ما يشهده المجتمع الدولي من تحديات راهنة، فقد نجحت مصر في الحصول على الدعم الدولي لاستضافة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ “COP 27″، أكبر محفل دولي معني بقضية المناخ، وتأثيراتها الشديدة على كافة البلدان، وبالأخص الدول النامية والإفريقية غير المُتسببة فيها.. ومن اللافت أن نحتفل بمئوية الدبلوماسية المصرية في ذات العام الذي تُنظم فيه مصر هذا الحدث العالمي”.
وقال إن الدبلوماسية المصرية وما عُرف عنها من عراقة وشمولية وحرفية أولت أيضًا اهتمامًا خاصًا بالعمل القنصلي من منطلق الحرص على رعاية أبناء مصر الكرام في الخارج، والذين سيظلون دائمًا محور اهتمام القيادة السياسية وجهاز تمثيلها الخارجي.
وذكر أن الظروف الاستثنائية التي شهدتها بعض الدول في السنوات الأخيرة برهنت أن مصر لم تغفل يومًا عن أبنائها المقيمين فيها، وكانت حاضرة متى اقتضت حاجاتهم، بل وامتد الأمر لنطاق أوسع وأشمل بأن دعت مصر أبناءها للاستفادة من النماذج المصرية النابغة في المجالات المختلفة، والتي تزخر بها جامعات العالم ومراكز الفكر والأبحاث، وكانوا دائمًا أبناءً أبرارًا لم يدخروا جهدًا أو وسعًا لدعم مصر ومساندتها.
وقال إن الحديث عن مئوية وزارة الخارجية لا يستوفي حقه دون الحديث عن دبلوماسيي مصر، لما لهم من باعٍ طويل فكرًا وعلمًا في مجالات العمل الدبلوماسي على تنوعه، فهم كوادر مُنتقاة من أبناء مصر وفق معايير موضوعية خالصة لا تُعلي إلا الكفاءة الرفيعة.
وأضاف أن وزارة الخارجية نجحت على مدار السنوات الماضية أن تُنمّي باستمرار قدرات كوادرها الدبلوماسية، وضمان سلاسة انتقال الخبرات من جيل الشيوخ إلى جيل الشباب وفق نظام مُحكم دقيق يحرص على التجديد المُستمر للدماء السارية في عروق الوزارة.. ولم تكتفِ بهذا القدر من نقل الخبرات، حيث سعت إلى إتاحة الفرص التدريبية في الداخل والخارج، من أجل مواكبة التطورات الدولية المتلاحقة، والتفاعلات بالغة التعقيد التي بات يتسم بها المشهد الدولي أكثر من ذي قبل.
ووجه وزير الخارجية تحية تقدير وعرفان لشهداء الدبلوماسية المصرية الذين ضحوا بأرواحهم وهم في خدمة بلدهم الأم، “وتحية تقدير وامتنان لدبلوماسيي مصر الأجلاء والأوفياء في عيدهم المائة، الذين يواصلون سطر صفحاتِ التاريخ بجهودهم وعملهم لرعاية مصالح الوطن وأبنائه في الخارج، استشرافًا لمستقبل واعد ومشرق يضيف إلى مكتسبات مصر، ويدعم من مكانتها ودورها وفق رؤية طموح لقيادة سياسية رشيدة وواعية تُعلي من مكانة مصر التي ستظل دائمًا مكانة رفيعة محل اهتمام وتقدير من المجتمع الدولي”.